Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } [ الزمر : 1 ] ، يشير إلى أنه كتاب عزيز ، نزل من رب عزيز على عبد عزيز ، بلسان ملك عزيز ، في حق أمة عزيزة ، في أوقات عزيزة ، نزهة قلوب الأحباب بعد ذبول غصن سرورها في كتب الأحباب عند قراءة فصولها ، والعجب منها كيف لا تزهق سروراً بوصولها ، وارتياحاً بحصولها وكتاب موسى في الألواح ! ومنها ما كان يقرأ موسى وغيره ، وكتاب نبينا صلى الله عليه وسلم نزل به الروح الأمين على قلبه ، وفضل الفصل بين من يكون خطاب ربه مكتوباً في ألواحه ، وبين من يكون خطاب ربه محفوظاً في قلبه وكذلك أمته ، { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } [ العنكبوت : 49 ] . { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } [ الزمر : 2 ] ؛ أي : من الحق نزل ، وبالحق نزل ، وعلى الحق نزل ، { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } [ الزمر : 2 ] لا لغيره الدنيا ، فالعبادة : معانقة الأمر على غاية الخضوع وتكون بالنفس والقلب وبالروح : فالتي بالنفس والإخلاص فيها التباعد عن الانتقاص . والتي بالقلب والإخلاص فيها العمى عن رؤية الأشخاص . والتي بالروح فالإخلاص فيها التنقي عن طلب الاختصاص . { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } [ الزمر : 3 ] ، الدين الخالص ما يكون جملته تعالى وما للعبد نية نصيب ، ولا يحصل الدين الخالص إلا من العبد المخلص ، والمخلص من خلصه الله من حبس الوجود بجوده لا بجهده ، وبقوله : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، يشير إلى أن الإنسان مجبول على معرفة صانعه وصانع العالم ، ومقتضى طبعه عبادة صانعه ، والتقرب إليه في خصوصية فطرته { ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [ الروم : 30 ] ، ولكن لا عبرة بالمعرفة الفطرية والعبادة الطبيعية ؛ لأنها مشوبة بالشرك لغير الله ؛ ولأنها تصدر من نشاط النفس وإتباع هواها ، وإنما تعتبر المعرفة الصادرة عن التوحيد الخالص ، ومن أماراتها قبول دعوة الأنبياء والإيمان بهم وبما أنزل عليهم من الكتب ، ومخالفة الهوى ، والعبادة على وفق الشرع لا على وفق الطبع ، والتقرب إلى الله بأداء ما افترض الله عليهم ، ونافلة قد أسن النبي صلى الله عليه وسلم بها أو بمثلها ، فإنه كان من طبع إبليس السجود لله ، فلما أمرنا بالسجود على خلاف طبعه { أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } [ البقرة : 34 ] بعد أن كان من الملائكة المقربين ، وكذلك حال الفلاسفة من لا يتابع الأنبياء منهم ، ويدعي معرفة الله ، ويتقرب إلى الله بأنواع العلوم ، وأصناف الطاعات والعبادات بالطبع لا بالشرع ، ومتابعة الهوى إلا بأمر المولى ، فيكون حاصل أمره ما قال تعالى : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] ، وبقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [ الزمر : 3 ] ، يشير إلى أن اليوم كل مدع يدعي حقيقة ما عنده في الدين والمذهب على اختلاف طبقاتهم ، فالله تعالى يحكم بينهم في الدنيا والآخرة : أما في الدنيا : فيحق الله الحق بانشراح صدر أهل الحق بنور الإسلام بكتابة الإيمان في قلوبهم ، وتأييدهم بروح منه ، وكشف شواهد الحق عن أسرار تجلي صفات جماله وجلاله لأرواحهم ، { وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ } [ الأنفال : 8 ] بتضييق صدور أهل الأهواء والبدع ، وقسوة قلوبهم ، وعمى أسرارهم وبصائرهم وغشاوة أرواحهم بالحجب . وأما في الآخرة : فتبييض وجوه أهل الحق واعطائهم كتابهم باليمين ، وتشغيل موازينهم ، وجوازهم على الصراط ، ويسعى نورهم بين أيديهم ، ودخولهم الجنة ، ورفعتهم في الدرجات ، وتسويد وجوه أهل الباطل ، وإتيان كتابهم بالشمال ، ودرأ ظهورهم ، وتخفيف موازينهم ، وذلة أقدامهم عن الصراط ، ودخول النار ونزولهم في الدركات ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } [ الزمر : 3 ] ، يشير إلى تهديد من يتعرض لغير مقامه ، ويدعي رتبة ليس بصادق فيها ، فالله لا يهديه قط إلى ما فيه سداده ورشده ، وعقوبته أنه يحرم تلك الرتبة التي تصدى لها بدعواه قبل تحقيقه بوجودها . وبقوله : { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } [ الزمر : 4 ] ، يشير إلى أنه تعالى لو أراد اتخاذ الولد مما يخلق لاصطفى من مخلوقاً جنساً آخر أعز وأكرم مما خلق ، ثم نزه نفسه عن ذلك فقال : { سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } [ الزمر : 4 ] ولا ثاني له ، والولد يكون ثاني والده وجنسه ، وشبهه القهار الذي بقهاريته لا يقبل الجنس ، والشبه بنوع ما . وبقوله : { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } [ الزمر : 5 ] ، يشير إلى أنه تعالى محق ، في خلقها { يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ } [ الزمر : 5 ] بالحكمة البالغة ؛ ليكون مظهر آياته لأرباب المعرفة ، كما قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [ آل عمران : 190 ] ، وليجعلها دالة على أحوال السائرين إلى الله في القبض والبسط ، والجمع والفرق ، والصحو والسكر ، والستر والتجلي ، ونجوم العقل وأثار العلم ، وشموس المعرفة ونهار التوحيد ، وليالي الشك والجحد ونهار الوصل ، وليالي الهجر والفراق ، وكيفية أحوال المريدين وترقيهم ، وفترتهم وزيادتهم ونقصانهم ، كما قال تعالى : { وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } [ الزمر : 5 ] ؛ أي : شمس الروح ، وقمر القلب ، { كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى } [ الزمر : 5 ] ؛ أي : يسير كل واحد على مقام قدَّره الله لهم وعينه { أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ } [ الزمر : 5 ] المتعزز على المحبين ، { ٱلْغَفَّارُ } [ الزمر : 5 ] للمذنبين .