Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 6-7)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن خلق الخلق بقوله تعالى : { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ الزمر : 6 ] ، يشير إلى أن خلقة الإنسان من نفس واحدة وهي الروح ، { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [ الزمر : 6 ] ؛ وهو القلب ، وإنه خلق من الروح كما خلقت خواص ضلع آدم ، { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [ الزمر : 6 ] ؛ أي : خلق فيكم من صفات الأنعام ثماني صفات ؛ وهي الأكل والشرب ، والتغوط والبول ، والشهوة والحرص ، والشره والغضب ، وأصل جميع هذه الصفات الصفتان الاثنتان : الشهوة والغضب ، فإنه لا بد لكل حيوان من هاتين الصفتين لبقاء وجوده بهما ، فبالشهوة تجذب المنافع إلى نفسه ، وبالغضب تدفع المضرات ، { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً } [ الزمر : 6 ] من النطفة إلى تمام الجسد ، { مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } [ الزمر : 6 ] ، أو بعد خلق الروح في عالم الأرواح { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ } [ الزمر : 6 ] ؛ ظلمة الخلقة ، وظلمة وجود الروح ، وظلمة البشرية بين آثار أفعاله الحكيمة في كيفية خلقتنا ظاهراً وباطناً من قطرتين أمشاج متشاكلة الأجزاء مختلفة الصور في الأعضاء ، مسخراً بعضها لبعض محال للصفات الحميدة : كالعلم والقدرة والحياة ، وغير ذلك في أحوال القلوب : كالسمع والبصر والحواس والقوى ، وهذه كلها نعم أنعم الله بها علينا ، ثم { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } [ الزمر : 6 ] ؛ يعني : الذي أحسن إليكم بجميع هذه الوجوه وهو ربكم ؛ أي : أنا خلقتكم ، وأنا رزقتكم ، وأنا صورتكم ، وأنا الذي أسبغت عليكم أنعامي ، وخصصتكم بجميل إكرامي ، وغرقتكم في بحار أفضالي ، وعرفتكم استحقاق شهود جمالي وجلالي ، وهديتكم إلى توحيدي وأدعوكم إلى وحدانيتي ، فمالكم لا تنقطعون بالكلية إليَّ ؟ ولا ترجون ما وعدتكم لديَّ ؟ ومالكم تطلبون مني ولا تطلبوني ؟ وقد بشرتكم بقولي : " ألا من طلبني وجدني ، ومن كان لي كنت له ، ومن كنت له يكون له ما كان لي " ، { لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ الزمر : 6 ] ؛ أي : له ملك القدرة على تبليغ العباد إلى هذه المقامات ، وإعطائهم هذه الكرامات ، { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } [ الزمر : 6 ] عن ملازمة باب العبودية إلى باب عاجز مثلكم من الخلق . { إِن تَكْفُرُواْ } [ الزمر : 7 ] نعمتي ، { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } [ الزمر : 7 ] وعن العالمين ، { وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ } [ الزمر : 7 ] من غاية كرمه ولطفه ، فإن أعرضوا عنه يخذلهم من عزته وقهره ، وكبريائه وجبروته ، { وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ } [ الزمر : 7 ] ؛ يعني : لا يرضى لكفركم ؛ لأنه موجب للعذاب الشديد ، ويرضى لشكركم ، لأنه موجب لمزيد النعمة ؛ وذلك لأن رحمته سبقت غضبه ، يقول : " يا مسكين ، أنا لا أرضى لك أن لا تكون لي ، وأنت ترضى بأن تكون لي قليل الوفاء كثير التجني ، فإن أطعتني شكرتك ، وإن ذكرتني ذكرتك " ، بقوله : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ الزمر : 7 ] ، يشير إلى أن الروح والقلب لا يؤاخذان بوزر النفس إن لم يكونا مباشرين [ معها ] وزرها ، ولا يرضيان به ، فإن الرضا بالكفر كفر ، كما أن النفس لا تثاب على طاعة الروح والقلب ما لم يكن مباشرة لها معهما ، ولا ترضى بهما ، فإن باشرتها معهما ورضيت بها تثاب بحسبها ، { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ } [ الزمر : 7 ] ؛ للروح والقلب والنفس ، { فَيُنَبِّئُكُـمْ } [ الزمر : 7 ] بجزاء أعمالكم ، { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الزمر : 7 ] واحد منكم من الخير والشر ، { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [ الزمر : 7 ] من أعمال الروح والقلب والنفس .