Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 8-10)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبقوله : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ } [ الزمر : 8 ] ، يشير إلى أن من طبيعة الإنسان أنه إذا مسته ضر خشع وخضع ، وإلى ربه فزع ، وتملق بين يديه وتضرع ، { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ } [ الزمر : 8 ] وأزال عنه ضره ، وكفى أمره ، وأصلح باله وأحسن حاله ، { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } [ الزمر : 8 ] ، فيعود إلى رأس كفرانه ، وينهمك في كبائر عصيانه ، وأشرك بمعبوده ، وأمر على جحوده ، { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } [ الزمر : 8 ] وينقطع في طريقه ، فإن للإنسان الذي هو طبيعة { تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً } [ الزمر : 8 ] ؛ أي : بقليل عمرك من قليل دنياك ، { إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } [ الزمر : 8 ] ؛ لأنك صاحبت أهل النار ، وسلكت على أقدام مخالفات المولى ، ومرافقات الهوى ، وطريق الدركات السفلى . ثم أخبر عن أهل النجاة وأرباب الدرجات بقوله تعالى : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً } [ الزمر : 9 ] ، يشير إلى القيام بآداب العبودية ظاهراً وباطناً من غير فتور ولا تقصير ، { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ } [ الزمر : 9 ] ونعيمها كما يحذر الدنيا وزينتها ، { وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } [ الزمر : 9 ] لا نعمة ربه ، { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 9 ] قدر جوار الله وقربته وتجارة على الجنة ونعيمها ، { وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 9 ] قدره ، { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ } [ الزمر : 9 ] حقيقة هذا المعنى { أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [ الزمر : 9 ] ؛ وهم الذين انسلخوا من جلد وجودهم بالكلية ، وقد ماتوا عن أنانيتهم وعاشوا بهويته . وبقوله : { قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } [ الزمر : 10 ] ، يشير إلى أن من شرط أخص خواص عبادي الذين خلصوا من عبودية غيري من الدنيا والآخرة ، وآمنوا بإيمان الطلب شوقاً ومحبة أن يتقوا بي عما سواي ، ثم قال : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } [ الزمر : 10 ] في طلبي ، { فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا } [ الزمر : 10 ] لا يطلبون مني غيري { حَسَنَةٌ } [ الزمر : 10 ] ، أي : لهم حسنة وجداني ؛ يعني : حسن الوجدان مودع في حسن الطلب ، وبقوله : { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } [ الزمر : 10 ] ، يشير إلى حضرة جلاله إنه لا نهاية فلا يغتر طالب بما فتح عليه من أبواب المشاهدات والمكاشفات ، فيظن أنه قد بلغ المقصد الأعلى والمحل الأقصى ، فإنه لا نهاية لمقامات القرب ، ولا غاية لمراتب الوصول ، { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ } [ الزمر : 10 ] على صدق الطلب ، { أَجْرَهُمْ } [ الزمر : 10 ] من نيل المطلوب { بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر : 10 ] إلى أبد الآباد .