Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 110-113)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن الدواء بعد الداء بقوله تعالى : { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ } [ النساء : 110 ] ، والإشارة فيها : إن من يعمل سوءاً ؛ أي : عملاً من مأمورات النفس وشهواته ، { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } [ يوسف : 53 ] ، أو يظلم نفسه بأن يشرك بالله في عبودية أحداً ، { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] { ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ } [ النساء : 110 ] ، يفر من أنانيته ويطلب من الله أن يغفر بهويته ، { يَجِدِ ٱللَّهَ } [ النساء : 110 ] عند الطلب ، فإنه قال : " من طلبني وجدني " ، { غَفُوراً } [ النساء : 110 ] بهوية أنانيته ، { رَّحِيماً } [ النساء : 110 ] فيرحم أنانيته بهويته ، { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً } [ النساء : 111 ] ولا يستغفر الله ، { فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } [ النساء : 111 ] ، فإن دين الإثم يظهر في الحال في صفاء مرآة قلبه فيعميه عن رؤية الحق ، ويضمه عن سماع الحق ، كما قال تعالى : { بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ المطففين : 14 ] ، { وَكَانَ ٱللَّهُ } [ النساء : 111 ] في الأزل { عَلِيماً } [ النساء : 111 ] ، بكسب إثمه { حَكِيماً } [ النساء : 111 ] فيما أظهر أثر كسبه في زين قلبه ، { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً } [ النساء : 112 ] ؛ وهي ما تكسب نفسه من مذمومات الصفات بغير عمده وقصده ، { أَوْ إِثْماً } [ النساء : 112 ] ذنباً بعمده وسعيه ، { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً } [ النساء : 112 ] ؛ أي : قلبه البريء من مذمومات الصفات وعمده الذنب فإن من شأن القلب الطاعة والعبودية والصفات الحميدة ؛ يعني : تسعى النفس وتتبع شهواتها واستيفاء حظوظها إلى أن يؤثر ظلمة طبيعتها في صفات القلب ، ويستلذ القلب من مشتهيات النفس فيتصف القلب بصفات النفس فيبهت عنها ويقع في ورطة الهلاك ، { فَقَدِ ٱحْتَمَلَ } [ النساء : 112 ] صاحب النفس { بُهْتَاناً } [ النساء : 112 ] مما أبهت القلوب عن العبودية والطاعة { وَإِثْماً مُّبِيناً } [ النساء : 112 ] مما أنبت به نفسه من المعاصي وأثم بها قلبه ، فيكون بمنزلة من جعل اللب وهو القلب جلداً وهو النفس ، وهذا من إكسير الشقاوة فلا ينقطع عنه العذاب ، إذا صار كل وجوده جلوداً فيكون من جملة الدين ، قال الله تعالى فيهم : { سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [ النساء : 56 ] ؛ لأنهم بدلوا الألباب بالجلود وهاهنا كما قررنا ، والله أعلم . ثم أخبر عن فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بالفضل جعله خير البرية بقوله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ } [ النساء : 113 ] ، والإشارة فيها : إن فضل الله موهبة من مواهب يؤتيه من يشاء ، وليس لأحد فيه مدخل بالكسب والاستجلاب ، وبذلك يهدي للإيمان ويوفقه الله للعمل الصالح ، ولهذا قال سيد الأولين والآخرين : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ } [ النساء : 113 ] من الأزل إلى الأبد { لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ } [ النساء : 113 ] عن طريق الوصول إلى الله ، ولولا إنا أفنيناك عنك بل عن كل ذرة من ذرات المخلوقات من الروحانيات والجسمانيات حتى نفسك وروحك لكان حجابك عن الحضرة وما معك من الوصلة ، فبجذبات الفضل أفنينا عنك وعن حجب المكونات ، وبكرامات الرحمة جعلنا ذرات المكونات مرقات لك إلى الوصلة ، وأبقيناك بنا حتى كنت فضلنا ورحمتنا فأرسلناك { رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] ، وقلنا لهم : { فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ البقرة : 64 ] ، فلا يقدر أحد أن يضلك { وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ } [ النساء : 113 ] ، من أراد أن يضلك ؛ لأنهم بإرادة إضلالك يضلون أنفسهم عن متابعتك ومطاوعتك ، وأنت فضل الله ورحمته عليهم فيضلون عنك ، { وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ } [ النساء : 113 ] ؛ بل يضلون أنفسهم بالحرمان عما { وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } [ النساء : 113 ] ؛ وهو القرآن { وَٱلْحِكْمَةَ } [ النساء : 113 ] ؛ وهي حقائق القرآن وأسراره ولطائفه وإشاراته ، { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } [ النساء : 113 ] ؛ وهو علم ما كان وما سيكون ، فإنه صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم قبل أن أسري به علم ما كان وما سيكون ، وهذا هو حقيقة { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [ النساء : 113 ] ، والعظيم هو الله ، والإشارة أن الله العظيم هو فضل الله عليك ورحمته ، كما أنك فضل الله ورحمته على العالمين ، ولهذا قال : " لولاك لما خلقت الأفلاك " ، فافهم جيداً .