Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 114-116)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن نجوى أصحاب الهوى بقوله تعالى : { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ } [ النساء : 114 ] ، إشارة في الآيتين : إن لا خير في كثير من نجواهم ؛ أي : الذين يتناجون من النفس والهوى والشيطان ؛ لأنهم شراً ، ولا فيما يتناجون به ؛ لأنهم يأمرون بالسوء والشر والفحشاء والمنكر ، ثم استثنى فقال : { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [ النساء : 114 ] ، إلا فيمن أمر بهذه الخيرات فإنه فيه الخير وهو الله تعالى ، فإنه يأمر بالخيرات بالوحي عموماً ، ويأمر بالخاطر الروحاني والإلهام الرباني خواص عباده ، والخاطر يكون بواسطة الملك وبغير الواسطة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " أَلا وَإِنَّ لِلْمَلَكِ لمَّةٌ ، وَلِلْشَيْطَانِ لمَّةٌ ، فَلَمَّةُ الْمَلَكِ إِيعَادٌ لِلْخَيْرِ ، وَلمَّةُ الشَّيْطَانِ إِيعَادٌ بِالشَّرِّ ، فَمَنْ وَجَدَ لمَّةَ الْمَلَكِ فَلْيَحْمَدِ اللهَ ، وَمَنْ وَجَدَ لمَّةَ الشَّيْطَانِ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ ذَلِكَ " ، والإلهام ما يكون من الله تعالى بغير الواسطة ؛ وهو على ضربين : ضرب منه : ما لا شعور للعبد به إنه من الله تعالى ، وضرب منه : ما يكون بإشارة صريحة يعلم العبد إنه وارد من الله تعالى بتعليم نور الإلهام ، وتعريفه لا يحتاج إلى معرف آخر إنه مع الله تعالى ، وهذا يكون بالولي وغير الولي ، كما قال بعض المشايخ : حدثني قلبي عن ربي ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الحق ينطق على لسان عمر " . وقال : " كادت فراسة عمر أن تسبق الوحي " ، ثم قال : { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } [ النساء : 114 ] ، أي : من يفعل بما ألهمه الله تعالى طلباً لمرضاته : { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 114 ] ذكر بقاء التعقيب قوله : { فَسَوْفَ } [ النساء : 114 ] ؛ يعني : عقيب الفعل { نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 114 ] ، وهو جذبة العناية التي تجذبه عنه وتوصله إلى العظيم . ثم قال تعالى : { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ } [ النساء : 115 ] ؛ أي : يخالف الإلهام الرباني الذي هو رسول الحق تعالى إليه ، { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } [ النساء : 115 ] بتعريف إلهامه ونوره ، { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النساء : 115 ] الموقنين بالإلهام ، بأن يتبع الهوى وتسويل النفس وسبيل الشيطان ، { نُوَلِّهِ } [ النساء : 115 ] ؛ أي : نكله بالخذلان { مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ } [ النساء : 115 ] ، بسلاسل معاملاته التي تؤتي بها إلى { جَهَنَّمَ } [ النساء : 115 ] ، سفليات البهيمية والسبعية والشيطانية { وَسَآءَتْ مَصِيراً } [ النساء : 115 ] ؛ أي : ما صار إليه من عباده الهوى واتباع النفس والشيطان وإشراكهم بالله في المطاوعة . ثم أخبر عن حال أهل الشرك بالضلال بقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [ النساء : 116 ] . والإشارة فيه : إن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلاً ، وخلق النار وخلق لها أهلاً ، فمن خلقه أهلاً للجنة فقد غفر له قبل أن يخلقه ، ومن غفر له فإنه لا يشرك بالله ، فالإشارة في قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [ النساء : 116 ] ، إن لم يغفر فأشرك به ، ولو كان مغفوراً لم يشرك به ، { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 116 ] ؛ يعني : وقد غفر ما دون من أشرك به في الأزل فلم يشرك به الآن ، ومما يدل على هذا التأويل قوله تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } [ السجدة : 13 ] ، وأمثاله في القرآن ، ويدل عليه أيضاً بقية الآية وهي : { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } [ النساء : 116 ] ؛ يعني : ومن يشرك بالله الآن فقد ضل ضلاله في الأزل ، وهو الضلال البعيد الأزلي بمشيئته في تحقيق : ويضل من يشاء ، ولهذا قال تعالى : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 116 ] ، ومشيئته أزلية أبدية فافهم جيداً .