Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 13-16)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفي قوله تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } إشارة إلى : إن تلك الوراثة والأنصباء حدود حدها الله لورثة الدين على قدر تعارف أرواحهم في عالم الأرواح ، وعلى نسبته مناسباً في القرابة النسبية والسببية ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف " . { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [ النساء : 13 ] فقد حق نسبته في الدين ، { يُدْخِلْهُ } [ النساء : 13 ] نسبه ، { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } [ النساء : 13 ] على قدر استحقاقه في الوراثة المحققة بالطاعة ؛ لأنه من الوارثين { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } [ المؤمنون : 11 ] ، { وَذٰلِكَ } [ النساء : 13 ] الوراثة والميراث ، { ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ النساء : 13 ] . { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [ النساء : 14 ] فقد حق إبطال نسبته في الدين ، { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } [ النساء : 14 ] في الوراثة بقرابة الدين عصيانه ويعذبه { يُدْخِلْهُ نَاراً } [ النساء : 14 ] ؛ أي : نار القطيعة والحرمان على قدر استحقاقه في المعصية والتعدي ، { خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ النساء : 14 ] من هذا الخلود في نار الحسرة والحرمان ، وفوات نعيم الجنان ولقاء الرحمن . ثم أخبر عن مهاد أهل الفواحش بقوله تعالى : { وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ } [ النساء : 15 ] ، إشارة في الآيتين : إن اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم هي النفوس الأمارة بالسوء ، والفاحشة : ما حرمته الشريعة من أعمال الظاهر وهي المعاصي ، وحرمته الطريقة من أحوال الباطن وهي الركون إلى غير الله تعالى ، يدل عليه قوله تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [ الأعراف : 33 ] ، فما ظهر منها فهو الأعمال ، وما بطن منها فهو الأحوال ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لسعد غيور وأنا أغير منه والله أغير منا " ؛ ولهذا حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، { فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ } [ النساء : 15 ] ؛ أي : على النفوس بإتيان الفاحشة ، { أَرْبَعةً مِّنْكُمْ } [ النساء : 15 ] ؛ أي : من خواص العناصر الأربعة التي أنتم منها مركبون وهي : التراب : ومن خواصه الخسة والركاكة ، والذلة والطمع ، والمهانة واللوم ، والماء : ومن خواصه اللين والعجز والكسل ، والأنوثة والخبوثة ، والشره في المأكل والمشرب ، والهواء : ومن خواصه الحرص والحسد والبخل ، والحقد والعداوة ، والشهوة والزينة ، والنار : ومن خواصها التبختر والتكبر ، والفجر والصلف ، والغضب والحدة وسوء الخلق وغير ذلك مما يتعلق بالأخلاق الذميمة ، ورأسها حب الدنيا والرياسة واستيفاء لذاتها وشهواتها ، { فَإِن شَهِدُواْ } [ النساء : 15 ] ؛ أي : يظهر بعض هذه الصفات من النفوس ، { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ } [ النساء : 15 ] ، فاحبسوهن في سجن المنع عن التمتعات الدنيوية ، فإن الدنيا سجن المؤمن ، وأغلقوا عليهن أبواب الحواس الخمس { حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ } [ النساء : 15 ] ؛ أي : تموت النفس إذا انقطع عنها حظوظها دون حقوقها ، إلى هذا أشار بقوله صلى الله عليه وسلم : " موتوا قبل أن تموتوا " ، { أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } [ النساء : 15 ] ، بانفتاح روزنة القلوب إلى عالم الغيب ، فتهب منها ألطاف الحق وجذبات الإلوهية التي جذبة منها توازي عمل الثقلين . { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ } [ النساء : 16 ] ؛ أي : النفس والغالب اللذان يأتيان الفواحش في ظاهر الأفعال والأعمال ، وباطن الأحوال والأخلاق { فَآذُوهُمَا } [ النساء : 16 ] ، ظاهراً بالحدود ، وباطناً بترك الحظوظ وكثرة الرياضات والمجاهدات ، { فَإِن تَابَا } [ النساء : 16 ] ظاهراً وباطناً ، { وَأَصْلَحَا } [ النساء : 16 ] كذلك { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ } [ النساء : 16 ] باللطف بعد العنف ، وبالرفق بعد الخرق ، وباليسر بعد العسر ، { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [ الشرح : 5 ] ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً } [ النساء : 16 ] ، لمن تاب ، { رَّحِيماً } [ النساء : 16 ] لمن أصلح .