Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 142-145)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن أمارات المنافقين وعلامات المخادعين بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ } [ النساء : 142 ] ، إشارة في الآيتين : أن المنافقين غنما يخادعون في الدنيا ؛ لأن الله { خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] في الأزل عند رش نوره على الأرواح ، وذلك أن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره ، فلما رش نوره أصاب الأرواح المؤمنين وأخطأ أرواح المنافقين والكافرين ، ولكن الفرق بين المنافق والكافر أن المنافقين رأوا رشاش النور وظنوا أنهم يصيبهم فأخطأهم ، وأرواح الكافرين ما شاهدوا ذلك الرشاش ولم تصبهم ، فإن المنافقين خدعوا عند مشاهدتهم الرشاش إذا ما أصابهم ، فمن نتائج مشاهدتهم الرشاش { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ } [ النساء : 142 ] ، من نتائج حرمانهم إصابة النور ، { قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ } [ النساء : 142 ] ، كأنهم يراؤونهم النور { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 142 ] ؛ لأنهم يذكرونه بلسان الظاهر القالبي لا بلسان الباطن القلبي ، والقالب من الدنيا وهي قليلة قليل ما فيها ، والقلب من الآخرة وكثيرة كثير ما فيها ، فالذكر الكثير من لسان القلب كثير ، والفلاح في الذكر الكثير لا في القليل ، كقوله تعالى : { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } [ الأنفال : 45 ] ؛ أي : بلسان القلب { لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } [ الأنفال : 45 ] ، ولما كان ذكر المنافقين بلسان القالب كان قليلاً كلما أفلحوا به ، وإنما كان ذكر المنافق بلسان الظاهر ؛ لأنه شاهد رش النور ظاهراً من العبد ولم يصبه ، فلو كان أصابه ذلك النور لكان صدره منشرحاً به ، كما قال تعالى : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } [ الزمر : 22 ] ، فهو على نور من ربه ؛ أي : على نور مما رش به ربه ، ومعدن النور هو القلب ، وإذا كان قلبه ذاكراً لله النور فإنه يصير لسان القلب ، فقليل الذكر منه يكون كثيراً ، فافهم جيداً . فلما كان أرواح المنافقين مترددة متحيرة بين رشاش النور وبين ظلمة الخلقية ، لا إلى هؤلاء الذين أصابهم النور ، ولا إلى هؤلاء الذين لم يشاهدوا الرشاش ، كذلك كانوا { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ } [ النساء : 143 ] المؤمنين والكافرين ، { لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } [ النساء : 143 ] بأخطاء ذلك النور ، كما قال : ومن أخطأه فقد ضل { فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } [ النساء : 143 ] هاهنا إلى ذلك النور ، يدل عليه قوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [ النور : 40 ] قسمته من ذلك النور المرشش ، فماله اليوم نصيب من نور الهداية والله أعلم . ثم أخبر عن منازل المنافقين باتخاذهم الأولياء من الكافرين ونهى عن المؤمنين بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النساء : 144 ] ، والإشارة فيها : إن النهي في قوله تعالى : { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النساء : 144 ] ، نهي التكوين ؛ يعني : ما كونهم مستعدين لاتخاذ الكفار أولياء من دون المؤمنين ؛ لأن المؤمنين خلقت أرواحهم في غير صف أرواح الكافرين ، حيث كانت الأرواح جنود مجندة فكان بين أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين تعارف يأتلفون به هاهنا من دون المؤمنين ، إنما قيد موالاتهم بقوله تعالى { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النساء : 144 ] ؛ لأن موالاتهم على نوعين : أحدهما : ما يكون بمناسبة كلية بين الأرواح بأن يكونوا في صف واحد ، فتلك المناسبة بين الكافرين والمنافقين موالاة حقيقية ، وهذا هو الذي نهى عنه المؤمنون نهي التكوين ، وبهذا النوع يتخذ المنافقون الكافرين أولياء من دون المؤمنين . والنوع الثاني : ما يكون من أدنى مناسبة يكون بين الأرواح وإنما يكونوا في صف واحد ، بل يكون لمحذاة أرواحهم في الصفوف ، فتلك المناسبة تكون بين المؤمنين والكافرين صورة موالاة دنيوية معلولة في بعض الأوقات ، ولا يكون لها إثبات ولا ينقطع موالاته مع المؤمنين في الدين البتة ، ويرجع المؤمن من موالاتهم البتة يوماً ، ثم قال تعالى لمن آمن بلسانه ولم يؤمن قلبه : { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النساء : 144 ] ، { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } [ النساء : 144 ] ؛ يعني : بعد أن خلقكم في صف أرواح الكافرين وأخطأكم رشاش النور حتى إئتلفتم هاهنا مع الكفار ، { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 144 ] ، في عقابكم يوم القيامة باتخاذكم الكفار أولياء ، { سُلْطَاناً مُّبِيناً } [ النساء : 144 ] ، عذراً واضحاً وبرهاناً لائحاً { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } [ الأنفال : 42 ] . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } [ النساء : 145 ] ؛ يعني : الذي آمنوا باللسان ولم تؤمن قلوبهم وهذه أحوالهم فهم المنافقون ، ومنازلهم في الدرك الأسفل من النار ؛ لأن أرواحهم كانت في آخر الصفوف وأسفلها ، { وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } [ النساء : 145 ] في الإخراج عن الدرك الأسفل ؛ لأنهم أفسدوا استعداد صفاء الروحانية الكلية بالنفاق ورينه بخلاف الكافر ؛ لأن الكافر وإن أفسد برين الكفر صفاء روحه ، ولكن ما أضيف إلى رين كفره رين النفاق فكان لرين كفره منفذ من القلب إلى اللسان فيخرج بحاره من لسانه بإظهار الكفر ، وكان للمنافق مع كفره ورين الكفر ورين النفاق زائد ، ولم يكن لبخل رينه منفذ إلى لسانه ، فكان لنجارات الكفر ورين النفاق منفذ ينفذ إلى صفاء الروحانية فلم يبق له الخروج عن هذا الأسفل ، ولم ينصره نصير بإخراجه ؛ لأنه مخذول الحق في آخر الصفوف . وقال تعالى : { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 160 ] ؛ يعني : في خلق أرواحكم في صف أرواح المؤمنين { فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [ آل عمران : 160 ] بأن يردكم إلى صف أرواح الكافرين ، { وَإِن يَخْذُلْكُمْ } [ آل عمران : 160 ] بأن يخلق أرواحكم في صف أرواح الكافرين ، { فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ } [ آل عمران : 160 ] بأن يخرجكم إلى صف المؤمنين .