Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 146-148)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم استثنى منهم من كان كفره ونفاقه عارية ، وروحه في أصل الخلقة خلق في المؤمنين ، ثم بأدنى مناسبات في المجازات بين روحه وأرواح الكافرين والمنافقين ظهر عليه من نتائجها موالاة معلومة مع القوم أياماً معلومة مع القوم أياماً معدودة ، فما أفسدت صفاء روحانيته بالكلية ، وما أنسد منفذ قلبه إلى عالم الغيب فهبت له من وهب العناية نفحات ألطاف الحق ، ونبهته عن نوم الغفلة ، ونبهته عن الرجوع إلى الحق بعد التمادي في الباطل ، ونودي في سره بأن لا نصير لمن يختار الأسفل ، ولا يخرج منه { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } [ النساء : 146 ] وندموا على ما فعلوا ، ورجعوا عن تلك المعاملات الردية ، { وَأَصْلَحُواْ } [ النساء : 146 ] ما أفسدوا من حسن الاستعداد ، وصفاء الروحانية بترك الشهوات النفسانية ، والحظوظ الحيوانية ، { وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ } [ النساء : 146 ] بحبل الله استعانة على العبودية ، { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } [ النساء : 146 ] لله في الطلب لا يطلبون منه إلا هو ثم قال تعالى : من قام بهذه الشرائط { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النساء : 146 ] ؛ يعني : في صف أرواحهم خلق روحه لا في صف أرواح الكافرين ، { وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النساء : 146 ] ، التائبين ويتقرب إليهم على قضية " من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً وقال من أتاني يمشي أتيته هرولة " ، وهذا هو الذي سماه { أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 146 ] والله أعظم . ثم أخبر عن كمال فضله وجلال عدله بقوله تعالى : { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } [ النساء : 147 ] ، والإشارة فيها : إن الله عز وجل يذكر العباد المؤمنين من نعمة السابقة منها : إخراجهم من العدم ببديع فطرته ، ومنها : إنه خلق أرواحهم قبل خلق الأشياء ، ومنها : إنه خلق أرواحهم نورانية بالنسبة إلى أن خلق أجسادهم ظلمانية ، ومنها : إن أرواحهم لما كانت بالنسبة إلى نور القدم ظلمانية رش عليهم من نور القدم ، ومنها : لما أخطأ بعض الأرواح ذلك النور وهو أرواح الكفار والمنافقين فقد أصاب أرواح المؤمنين ، فيقول : { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ } [ النساء : 147 ] ، هذه النعمة التي أنعمت بها عليكم من غير استحقاق منكم ، فإنكم إن شكرتم هذه النعمة برؤيتها ورؤية المنعم بها فقد آمنتم بي ونجوتم من عذابي وهو ألم الفراق ، فإن حقيقة الشكر رؤية المنعم ، والشكر على وجوده أبلغ من الشكر على وجود النعم قال : { وَٱشْكُرُواْ لِي } [ البقرة : 152 ] ؛ أي : أشكروا لوجودي ، { وَكَانَ ٱللَّهُ } [ النساء : 147 ] ، في الأزل { شَاكِراً } [ النساء : 147 ] ؛ لوجوده ، ومن شاكراً لوجود أوجد الخلق بجوده ، { عَلِيماً } [ النساء : 147 ] بمن يشكر وبمن يكفر ، فإعطاء جزاء الشاكرين قبل شكرهم ؛ لأنه مشكور وأعطى جزاء الكافرين قبل كفرهم ؛ لأن الكافر كفور . ثم أخبر عن محبة المظلوم بقوله تعالى : { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ } [ النساء : 148 ] ، الإشارة فيها : إن الله تعالى { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } [ النساء : 148 ] من العوام ، ولا من التحدث مع النفس من الخواص ، ولا من الخطرة التي يخطر بالبال من الأخص من القول ، { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } [ النساء : 148 ] تبعاً من دواعي البشرية من غير اختيار وبابتلاء من اضطرار ، وأيضاً { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } [ النساء : 148 ] ، إفشاء بأسرار الربوبية وإظهار المواهب الإلوهية ، وأيضاً { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } [ النساء : 148 ] ، إفشاء بأسرار الربوبية بكشف القناع من مصنوعات الغيب ، ومكنونات غيب الغيب ، { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } [ النساء : 148 ] بغلبات الأحوال وتعاقب كؤوس عقار الجمال والجلال فأضطر إلى المقال ، فقال باللسان الباقي لا باللساني الفاني : أنا الحق سبحاني ، { وَكَانَ ٱللَّهُ } [ النساء : 148 ] في الأزل { سَمِيعاً } [ النساء : 148 ] لمقالهم ، { عَلِيماً } [ النساء : 148 ] قبل أداء مالهم .