Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 160-162)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن تتمة نتائج كفرهم بقوله : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } [ النساء : 160 ] ، إلى قوله { أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 162 ] ؛ لكنه قال تعالى لهم : { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } ، وقال تعالى : { وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ } [ الأعراف : 157 ] وقال تعالى : { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً } [ المائدة : 88 ] ، فلم يحرم علينا شيئاً بذنوبنا ، وكما [ عفانا ] من تحريم الطيبات في هذه الآية نرجوا أن [ يعافينا ] في الآخرة من العذاب الأليم ؛ لأنه جمع بينهما في الذكر في هذه الآية ، وقال أهل الإشارات : ارتكاب المحظورات يوجب تحريم المباحات ، وقال الشيخ رحمه الله الإسراف في ارتكاب المباحات يوجب حرمان المناجات ، والإشارة فيهما : إن الظلم من شيمة الإنسان ؛ يعني : نفس الإنسان ؛ لأنه خلق ظلوماً جهولاً ، فالظالم من يظلم غيره ، والظلوم من يظلم نفسه ، وإلى هذا أشار بقوله تعالى { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [ النساء : 160 ] ؛ يعني : لما ظلموا أنفسهم بنقض الميثاق والكفر بآيات الله ، وقتل الأنبياء بغير حق ، والكفر بعيسى وتقول البهتان على مريم ، { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } [ النساء : 157 ] ، { وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً } [ النساء : 160 ] . { وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ } [ النساء : 161 ] وغير ذلك من المخالفات ، حرمنا عليهم بإبطال استعدادهم طيبات من مقام القربات والدرجات والغرفات ، { أُحِلَّتْ لَهُمْ } [ النساء : 160 ] ؛ أي : لأرواحهم الطيبين الظاهرين قبل التلوث بقذر المخالفات ، فإن { وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ } [ النور : 26 ] ، " فإن الله طيب لا يقبل إلا الطيب " ، وإنهم لما أشركوا تنجسوا ، فإن المشركين نجس ، فحرموا من تلك الطيبات ، وصدوا عن سبيل الله وكفروا به ، { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ } [ النساء : 161 ] ؛ أي : من الذين ظلموا أنفسهم بهذه المخالفات ، { عَذَاباً أَلِيماً } [ النساء : 161 ] ، بالحرمان عن الدرجات والقربات . { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ } [ النساء : 162 ] ؛ أي : من الذين هادوا ، والراسخون في العلم ؛ هم الذين رسخوا بقدمي الصدق والعمل في العلم إلى أن بلغوا معادن العلوم فاتصلت علومهم الكسبية بالعلوم العطائية الدينية ، كما كان حال عبد الله ابن سلام رضي الله عنه فإنه كان عالماً في النورية وقد قرأ فيها صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما كان راسخاً في العلم اتصل علم قراءته بعلم المعرفة ، فقال : لما رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت بأنه ليس بوجه كاذب فآمن به ، ولما لم يكن للأحبار رسوخ في العلم وإن قرأوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم في النورية فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ما عرفوه فكفروا به ، كقوله تعالى : فلما جاءهم { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } [ النساء : 162 ] مؤمني أهل الكتاب ، ووصفهم بقوله تعالى : { وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 162 ] ، والأجر العظيم هو المسبوق بالعناية الأزلية ، وهو ثمرة بذر رشاش النور في بدء الخلقة ، وقدر عظيم الأجر لكل واحد على قدر كمالية الثمرة وبلاغتها ، فافهم جيداً .