Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 163-165)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن إلجائه إلى الأنبياء للحجة على الأمة بقوله تعالى : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } [ النساء : 163 ] ، والإشارة فيها : إن إفراد النبي بالذكر في الوحي في قوله : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } [ النساء : 163 ] ؛ لاختصاصه بالفضائل من جملتهم ، وأما إفراد نوح عليه السلام واشتراكه مع النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فلأنه أول الرسل ، والنبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، وأما إفراد إبراهيم عليه السلام ومن ذكر بعده فلاختصاصهم على غيرهم بالفضيلة ، كما قال تعالى : { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ البقرة : 253 ] ؛ ومعناه إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى جميع الأنبياء ؛ ولكن خصصناك بالفضائل دونهم ، قال صلى الله عليه وسلم : " فضلت على الأنبياء بست " . وفيه إشارة أخرى : إنا أوحينا إليك في سر { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [ النجم : 10 ] ، أفردناك عن جميعهم { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } [ النساء : 164 ] ؛ أي : ليلة المعراج فيما أوحى إليك قصص جميع الرسل ، { وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } [ النساء : 164 ] في القرآن بأسمائهم وأحوالهم مفصلة ، { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } [ النساء : 164 ] ؛ يعني : كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده أوحينا إليك ، وكلمناك كما كلمنا موسى مع اختصاصه بالكلمة عن غيره إلا عنك ؛ فكانوا جميعاً { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ } [ النساء : 165 ] بالجنة ونعيمها ، { وَمُنذِرِينَ } [ النساء : 165 ] من النار وجحيمها ، فلك اشتراك معهم بهذه البشرى والإنذار في الجنة والنار ، وانفرد بالتبشير بالوصول إلى الله والإنذار من الانقطاع عن الله تعالى ، كقوله تعالى : { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } [ الفتح : 8 ] ، { وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ } [ الأحزاب : 46 ] ؛ يعني : لتدعوهم إلى الله بالانقطاع عن غيره للوصلة إليه بالتبشير بالوصول ، والإنذار عن الانقطاع ، { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ } [ النساء : 165 ] ؛ أي : للناس { عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } [ النساء : 165 ] ، المذكورين لهم بالعهود السابقة والنعم السابقة ، بأن يقولوا : إنا نسينا تلك العهود التي جرت بيننا يوم الميثاق ، فإن الرسل يذكرونهم ، كقوله تعالى : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } [ إبراهيم : 5 ] ، وقال تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } [ الغاشية : 21 ] ، وأيضاً { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ } [ النساء : 165 ] في الانقطاع عن الله ، وعن عبوديته بأن يقولوا : كنا مشتاقين إلى لقائك ومحتاجين إلى نعمائك ، ولكن لم يكن لنا دليل يدلنا إليك وبياناً عما لديك يبشرنا بك وبما عندك ويطعمنا بالوصول إليك وبما عندك ، وينذرنا ويخوفنا عن الانقطاع عنك والحرمان عما عندك ، فإن من طبيعة الإنسان { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } [ السجدة : 16 ] ، فبعث الرسل مبشرين به مطمعين فيما لديه ، ومنذرين عن الانقطاع ، مخوفين بما أعد لهم من العذاب { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً } [ النساء : 165 ] ، فيما يعز أوليائه بالوصول ، ويتعذر عن إعطائه بالانتقام والانقطاع ، { حَكِيماً } [ النساء : 165 ] ، فيما يحكم على الأولياء والأعداء بحكمته كيف يشاء ، وفيما بعث الأنبياء والرسل شرفاً لهم في البعثة ، وسعادة للخلق في بعثهم عموماً .