Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 1-5)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } [ النساء : 1 ] ، إشارة في الآية : أن الله تعالى يذكر الناس ببدء خلقتهم بالأشباح والأرواح بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ النساء : 1 ] ، فإنهم كما خلقوا بالأشباح عن نفس واحدة وهي شبح آدم عليه السلام ، كذلك خلقوا بالأرواح عن نفس واحدة وهي روح محمد صلى الله عليه وسلم ، لقوله : " أول ما خلق الله روحي " ، فكما أن آدم عليه السلام بالشبح كان أبا البشر ، كان محمد صلى الله عليه وسلم بالروح أبا الروح ، { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [ النساء : 1 ] ؛ وهي النفس ، خلقها من أدنى شعاع من أشعة أنوار روح محمد صلى الله عليه وسلم ، { وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً } [ النساء : 1 ] ؛ وهم أرواح الرجال البالغين الكاملين في الدين ، كقوله تعالى : { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ النور : 37 ] ، { وَنِسَآءً } [ النساء : 1 ] ؛ أي : أرواح ناقصات غير بالغات في الدين ، كما أخرج من آدم عليه السلام المقبول والمردود ، أخرج من روح محمد صلى الله عليه وسلم روح الكامل والناقص . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } [ النساء : 1 ] ؛ أي : اتقوا أن تسألوا به غيره ، فلا تسألوا به عنه ، { وَٱلأَرْحَامَ } [ النساء : 1 ] ، ولا تقطعوا صلة رحم رحمتي بصلة غيري ، دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : " أنا الرحمن خلقتُ الرحم وشققت لها أسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته " ، إن الله تعالى خلق الخلق برحمته ، ولولا سبقت رحمته غضبه ما خلق أحداً من العالمين ، فالواجب على الخلق أن يصلوا رحم رحمته بطلبه والانقطاع عن غيره ؛ ليصلهم برحمته وكرامته ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 1 ] أيها المتقون { رَقِيباً } [ النساء : 1 ] ؛ لئلا يلتفتوا إلى غيره بالاعتراض عنه ، بل { كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [ النساء : 1 ] ؛ لتتقوا به عن غيره ، وتصلوا به بالانقطاع عن غيره . ثم أخبر عن التقوى بإحراز أموال اليتامى بقوله تعالى : { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } [ النساء : 2 ] ، إشارة في الآيتين : إن الله تعالى نفى بهاتين الأخلاق الذميمة والأفعال القبيحة ، وبها زكى أنفسهم عن آفاتها ؛ وهي الحسد والدناءة ، والخسة والطمع ، الخيانة والمكر والخديعة ، والجور والظلم ، والشهوة والغضب ، وسوء الخلق والبخل ، والكبر والأنفة ، وحلالها بأضدادها تكميلاً للتخلق بأخلاق الحق ، فقال تعالى : { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } [ النساء : 2 ] تزكية عن آفة الحرص والحسد ، والدناءة والخسة والطمع ، وتحليته بالقناعة والمروءة وعلو الهمة والعافية ، وقال تعالى : { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ } [ النساء : 2 ] تزكية عن آفة الخيانة والمكر والخديعة ، وتحليته بالأمانة والديانة وسلامة الصدور ، وقال تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } [ النساء : 2 ] تزكية عن الجور والحين والظلم وتحليته بالعدل والإنصاف ، فإن اجتماع هذه الرذائل في نفس الأمر { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [ النساء : 2 ] ، حجاباً عظيماً . وقال تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ } [ النساء : 3 ] تزكية عن الزنا والفواحش التي تتعلق بالشهوة ، وتحليته بالعفة والإحصان ، وقال تعالى : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } [ النساء : 3 ] . { وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ } [ النساء : 4 ] تزكية عن الحدة والغضب وسوء الخلق ، وتحليته بالوفاق والسخاء والفتوة ، وقال تعالى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [ النساء : 4 ] تزكية عن الكبر والأنفة ، وتحليته بالتواضع والخشوع ، والرحمة والشفقة واللين ، في الحقيقة هذه كلها إشارة إلى تربية ينافي القلوب والنفوس بإيتاء حقوق تزكيتهم عن هذه الأوصاف ، وتحليتهم بهذه الأخلاق ؛ لتحقق الامتثال بأمر تخلقوا بأخلاق الله ، والله أعلم . ثم أخبر عن صيانة هذه الأخلاق من التفريط والإفراط بقوله تعالى : { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ } [ النساء : 5 ] ، إشارة في هذه الآيتين : إن الله تعالى جعل المال قياماً لمصالح دين العباد ودنياهم ، فإن العاقل منهم من يجعله قياماً لمصالح دينه ولمصالح دنياه بقدر حاجته للضرورة إليه ، والسفيه من جعله قياماً لمصالح دنياه ما أمكنه فهو المنهي عنه ، وإن تؤتوا إليه أموالكم كائناً من كان ، وإنما قال : { أَمْوَالَكُمُ } [ النساء : 5 ] ، وما قال أموالهم ؛ لأن الخطاب مع العقلاء الصلحاء الأتقياء ، وقد أضاف المال إليهم ؛ لأنه تعالى خلق الدنيا وما فيها لهم قياماً لمصلح دينهم ، كما قال تعالى : { خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [ البقرة : 29 ] ، وقال تعالى : { أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } [ الأنبياء : 105 ] ، وأسفه السفهاء من جعلها في مفاسد دينه ودنياه ؛ وهي النفس الأمارة بالسوء ، وإنما هي أعدى عدوك ؛ لأنها أسفه السفهاء ، وكل ما أنفق الرجل نفسه بهواها ففيه مفاسد دينه ودنياه ، إلا المستثني منه ، كما أشار إليه تعالى بقوله : { وَلاَ تُؤْتُواْ } [ النساء : 5 ] ، { أَمْوَالَكُمُ } [ النساء : 5 ] ؛ أي : جعل الله لكم قياماً { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا } [ النساء : 5 ] ؛ يعني : ما يسد به جوع النفس ، { وَٱكْسُوهُمْ } [ النساء : 5 ] ؛ يعني : ما يستر عورتها ، فإن ما زاد على هذا يكون إسرافاً في حق النفس ، والإسراف منهي عنه ، { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [ النساء : 5 ] ، قول المعروف مع النفس أن يقول لها : أكلت رزقها ونعمت ، فأدى شكر نعمته بامتثال أوامره ونواهيه وأذيبي طعامك بذكر الله ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " أذيبوا طعامكم بذكر الله " .