Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 6-9)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والإشارة في قوله تعالى : { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } [ النساء : 6 ] ؛ أي : قلوب السائرين إلى الله تعالى ، حتى إذا بلغوا مبلغ الرجال الكاملين البالغين ، وابتلاهم بأدنى توسع في المعيشة بعد ما كانوا محجوبين عن التصرف مدة مديدة ، { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [ النساء : 6 ] ، بأن استمدوا بذلك على دينهم وزادوا في اجتهادهم وجدهم في الطلب ، وكان كما قال الجنيد : أشبع الزِّنجي وكدَّه ، { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [ النساء : 6 ] ، وهاهنا أضاف المال إليهم لما بلغوا حد الرجال الذين يكون المال لهم ، فلا يكونون في المال كالسفهاء ، فالعبد في هذا المقام يكون جائز التصرف في ممالك سيده كالعبد المأذون ، وفي قوله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً } [ النساء : 6 ] ، الإشارة في الخطاب إلى تربيتهم من المشايخ فإنهم أولياء أطفال الطريقة وأوصياؤهم ؛ يعني : فإن أنستم من المريدين البالغين رشد التصرف في أصحاب الإرادة وأرباب الطلب ، فأوقعوا إليهم عنان التصرف بإجازة الشيخوخة ولا تمنعوهم مقام الشيخوخة إسرافاً وبداراً ، غيرة وغبطة على المريدين ، { أَن يَكْبَرُواْ } [ النساء : 6 ] بالشيخوخة فتكسد أسواقهم ، { وَمَن كَانَ غَنِيّاً } [ النساء : 6 ] بالله من قوة الولاية ستظهر بالعناية { فَلْيَسْتَعْفِفْ } [ النساء : 6 ] عن أمثال هذه الغيرة والغبطة ، { وَمَن كَانَ فَقِيراً } [ النساء : 6 ] ، يفتقر بولاية المريد والانتفاع به في الصحبة { فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } [ النساء : 6 ] ؛ أي : ينتفع به بأن يجيز له بالشيخوخة لا يغار عليه ويمده بالظاهر والباطن ، وبإيمانه يتوسل إلى الله تعالى ، فإن الله يكون في عون العبد ما دام في عون أخيه ، وقال تعالى : { وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } [ المائدة : 35 ] ، { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [ النساء : 6 ] مقام الشيخوخة ، { فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ } [ النساء : 6 ] الله ورسوله وأرواح المشايخ ، وأوصوهم بشرائط الشيخوخة ورعاية حقوقها مع الله والخلق وأنفسهم ، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } [ النساء : 6 ] ، مكافياً ومجازياً لكم بحسن صنائعكم ، ومحاسباً لهم فيما يراقبون الله تعالى في حفظ حدوده ، ويراعون الخلق بأداء حقوقهم وترك حظوظ أنفسهم . ثم أخبر عن نصيب كل نسيب بقوله تعالى : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } [ النساء : 7 ] ، إشارة في الآيتين : إن للرجال وهم أقوياء الطلبة والسلاك نصيب بقدر صدقهم في الطلب ، ورجوليتهم في الاجتهاد ، { مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } [ النساء : 7 ] ؛ وهم المشايخ والإخوان في الله والأعوان على الطلب ، وتركهم سيرتهم في الدين وأنوار همتهم العلية ، ومواهب ولايتهم السنية ، { وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } [ النساء : 7 ] ؛ يعني ضعفاء القوم ، { مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } [ النساء : 7 ] ؛ أي : قدراً معلوماً على قدر وفق صدق التجائهم وجدهم في الطلب ، وحسن استعدادهم لقبول فيض الولاية ، وهذا حال المجتهدين الذين هم ورثة المشايخ ، كما أنهم ورثة الأنبياء ، فأما المنتهون إلى ولايتهم بالإرادة وحسن الظن ، والمقتبسون من أنوارهم والمقتفون على آثارهم ، والمتشبهون بربهم والمتبركون بهم على تفاوت درجاتهم فهو بمثابة { أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ } [ النساء : 8 ] إذا حضروا القسمة عند محافل صحبتهم ومجامع سماعهم ومجالس ذكرهم ، فإنها مقاسم خيراتهم وبركاتهم ، { فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } [ النساء : 8 ] ؛ أي : من مواهب ولايتهم ، وآثار هدايتهم ، وأعطاف رعايتهم ، { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [ النساء : 8 ] في التشويق وإرشاد الطريق والحث على الطلب والتوجه إلى الحق ؛ والإعراض عن الدنيا وتقرير هوانها على الله وخسارة أهلها ، وعزة أهل الله في الدارين وكمال سعادتهم في المنزلتين . { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً } [ النساء : 9 ] من مبتدئ المريدين ومتوسطهم ، { خَافُواْ عَلَيْهِمْ } [ النساء : 9 ] آفات المفارقة ، إما سرف وإما توان { فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ } [ النساء : 9 ] ؛ أي : يوصونهم بالتقوى فإن التقوى جماع كل خير ، { وَلْيَقُولُواْ } [ النساء : 9 ] ؛ أي : يأمرونهم ؛ ليقولوا { قَوْلاً سَدِيداً } [ النساء : 9 ] ؛ وهو كلمة لا إله إلا الله ؛ والمعنى : أنهم يأمرون بملازمة التقوى ومداومة الذكر ، فإنهما الخطوتان اللتان توصلان العبد إلى الله تعالى .