Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 31-32)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر أن الاجتناب عن الكبائر المنهي عنها بقوله تعالى : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } [ النساء : 31 ] ، يوجب تكفير الصغائر ، لقوله تعالى : { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } [ النساء : 31 ] ، وعند انتفاء الصغائر والكبائر يمكن الدخول في المدخل الكريم وهو حضرة أكرم الأكرمين ، لقوله تعالى : { وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ } [ النور : 26 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب " ، وتفاصيل الكلام مر ذكرها وإن جملتها مندرجة في ثلاثة أشياء : إحداها : إتباع الهوى ، فقد يقع الإنسان به في جملة من الكبائر ، مثل : البدعة والضلالة ، والارتداد والشبهة ، وطلب الشهوات واللذات ، والتمتعات وحظوظ الأنفس بترك الصلاة والطاعات كلها ، وعقوق الوالدين ، وقطع الرحم ، وقذف المحصنات وأمثالها ، ولهذا قال : { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ ص : 26 ] ، وقال تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [ الجاثية : 23 ] ، وأهله الله على علم . وقال صلى الله عليه وسلم : " ما عُبد إلهٌ في الأرض أبغض على الله من الهوى " . وثانيها : حب الدنيا ، فإنها مظنة كثيرة من الكبائر مثل : القتل والظلم والغضب ، والنهب والسرقة ، والربا وأكل مال اليتيم ، ومنع الزكاة ، وشهادة الزور وكتمانها ، واليمين الغموس ، والحيف في الوصية وغيرها ، واستحلال الحرام ونقض العهد وأمثاله ، ولهذا قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] . وقال صلى الله عليه وسلم : " إن أكبر الكبائر الإشراك بالله " . وقال صلى الله عليه وسلم : " اليسير من الرياء شرك " . وقال المشايخ : وجودك ذنب ، فمن تخلص عن ذنب وجوده فلا يرى غير الله ، فلا ينشأ منه الشرك ولا حب الدنيا ، ومن تخلص من الهوى فيتحقق له الوصول واللقاء ، كقوله تعالى : { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } [ الكهف : 110 ] ، لعمري أن هذا هو المدخل الكريم ، والفوز العظيم ، والنعيم المقيم . ثم أخبر أن نيل هذه المقامات والكرامات ليس بالتمني ، بل بالجد والسعي بقوله تعالى : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ } [ النساء : 32 ] ، إشارة في الآيتين : أن ما فضل الله به بعض الإنسان على بعض من كمالات الدين ومراتب أهل اليقين لا تحصل بمجرد التمني ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " ليس الدين بالتمني " ، فقال تعالى : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ النساء : 32 ] ، فإنه لا يحصل بالتمني ، ولكن { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ } [ النساء : 32 ] ؛ أي : الذين { لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ النور : 37 ] والقائمين بأمر الله المجتهدين في طلب الله المعرضين عن غير الله ، { نَصِيبٌ } [ النساء : 32 ] مما جدوا في طلبه واجتهدوا حق الجهاد بالسعي الجميل والصبر الجزيل ، يدل عليه قوله تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } [ النجم : 39 - 40 ] ، { وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ } [ النساء : 32 ] ؛ أي : من فيه نوع الأنوثة من التواني في الطلب ، ودناءة الهمة في المطلوب والمقصود ، وهو الذي يطلب من الله غير الله ، فلهن نصيب { مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ } [ النساء : 32 ] ، على قدر الهمة في الطلب ، كقوله تعالى : { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } [ الشورى : 20 ] . ثم علم عباده حسن السؤال بعلو الهمة بقوله تعالى : { وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ } [ النساء : 32 ] ، وفيه معنيان : أحدهما : اسألوه من فضله الخاص الذي { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } [ الحديد : 21 ] ؛ ليؤتك ويفضلك به على أهل زمانك ، وحقيقة الفضل ؛ هي المعرفة والعلم اللدني يدل عليه قوله تعالى : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [ النساء : 113 ] . والثاني : { وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ } [ النساء : 32 ] ؛ أي : اسألوه منه ولا تسألوا منه غيره ، فإنه يعطيكم من فضله وكرمه ، وإن اجتهدتم في الاكتساب وجاهدتم { فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } [ الحج : 78 ] ، ولا يجهدكم كسبكم ، فإنه بالجهد يهدي إلى سبله ، كقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت : 69 ] ، بالفضل يهدي إليه ، كما قال تعالى : { يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } [ الشورى : 13 ] ، ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ } [ النساء : 32 ] في الأزل { بِكُلِّ شَيْءٍ } [ النساء : 32 ] ؛ أي : من أحوال عباده { عَلِيماً } [ النساء : 32 ] يعلم بالعلم القديم الأزلي ، فأعطى كل واحد منهم في بدء الخلقة استعداداً لقبول الفيض الإلهي كما يشاء بقوله تعالى : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] ، وكان { عَلِيماً } [ النساء : 32 ] بمن يسأل من الله غيره ممن لا يسأل منه إلا هو ، فأشار إليهم وخاطبهم على قدر استعدادهم { وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ } [ النساء : 32 ] .