Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 33-34)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال { وَلِكُلٍّ } [ النساء : 33 ] طالب صادق ، { جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ } [ النساء : 33 ] ؛ أي : جعلناه في الأزل مستعداً للوراثة ومستحقها ، { مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } [ النساء : 33 ] ؛ يعني : مما ترك والده وأقربوه طلبه لعدم الاستعداد والمشيئة ، ثم أورثناه فضلاً منا ورحمة من عندنا ، ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } [ النساء : 33 ] ؛ يعني : الذي جرى بينكم وبينهم عند الأخوة في الله ، وأخذتكم بإيمانكم إيمانهم بالإرادة وصدق الالتجاء ، وتابوا على أيديكم فأتوهم بالنصح وحسن التربية والاهتمام بهم ، والقيام بمصالحهم على شرائط الشيخوخية والتسليك ، ثم { نَصِيبَهُمْ } [ النساء : 33 ] ؛ الذي أودع الله تعالى لهم عندكم بعلمه وحكمته ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } [ النساء : 33 ] من الودائع أينما أودعه لمن أودعه ، { شَهِيداً } [ النساء : 33 ] يشهد عليكم يوم القيامة أن تخونوا في إعطاء ودائعهم بالخيانة ، ويسألكم عنها ويشهد لكم بالأمانة ، ويجازيكم عليها خير الجزاء . ثم أخبر عن أحوال الرجال بالفضل والنوال بقوله تعالى : { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 34 ] ، إشارة في الآيتين : إن الله تعالى جعل الرجال قوامون على النساء ؛ لأن وجودهن تبع لوجودهم وهم الأصول وهن الفروع ، فكما أن الشجرة فرع الثمرة فإنها خلقت منها ، فكذلك النساء فروع الرجال فإنهن خلقن من ضلع ، فلما كان قيام حواء قبل خلقها وهي ضلع بآدم عليه السلام وهو قوام عليها ، فكذلك الرجال قوامون على النساء بمصالح أمور دينهن ودنياهن ، كقوله تعالى : { قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] . ثم قال تعالى : { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ النساء : 34 ] ؛ أي : بما فضل الله الرجال على النساء وهو استعداد الكمالية للخلافة والنبوة ، كما قال تعالى : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [ البقرة : 30 ] ، وما صلحت النساء للخلافة والنبوة ، واختص الرجال بهما ، فكان وجودهم الأصل ووجودهن تبعاً لوجودهم للتوالد والتناسل ، قال صلى الله عليه وسلم : " كمل من الرجال كثير ، وما كمل من النساء إلا آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وفضل عائشة - رضي الله عنها - على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام " ، ومع هذا ما بلغ كمالهن إلى حد يصلحن للخلافة والنبوة ، وإنما كان كمالهن بالنسبة إلى النسوة لا إلى الرجال ؛ لأنهن بالنسبة إلى الرجال ناقصات عقل ودين ، حتى قال صلى الله عليه وسلم في حق عائشة - رضي الله عنها - مع فضلها على سائر النساء : " خذوا ثلثي دينكم من هذه الحميراء " ، فهذا بالشبه إلى الرجال نقصان ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : " خذوا ثلثي دينكم " ، ما قال كمال دينكم ، ولكن بالنسبة إلى النساء كمال ؛ لأنه على قاعدة قوله تعالى : { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } [ النساء : 11 ] يكون حظ النساء من الدين الثلث ، فكملتها كان لها الثلثان بمثابة الذكور مثل حظ الأنثيين . { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ } [ النساء : 34 ] ؛ يعني : بتجريدهم عن الدنيا وتفريدهم للمولى فضلوا على النساء ، { فَٱلصَّٰلِحَٰتُ } [ النساء : 34 ] ؛ يعني : الذي يصلحن للكمال بعد الرجال هن { قَٰنِتَٰتٌ } [ النساء : 34 ] ؛ أي : مطيعات لله تعالى مستسلمات لأحكامه تعالى ، { حَٰفِظَٰتٌ } [ النساء : 34 ] ، الواردات { لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } [ النساء : 34 ] عليهن حقائق الغيب وأنواره وأسراره ، { وَٱلَّٰتِي } [ النساء : 34 ] ؛ يعني : منهن { تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } [ النساء : 34 ] ؛ يعني : إذا دارت عليهن كؤوس واردات الغيب ، وسقين بأقداح الأرواح شراب طهور التجلي من ساقي ، { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [ الإنسان : 21 ] ، فكوشفن بلغة الجمال ، وأسكرن بشهود الجلال ، كما قال بعضهم : @ فأسكَرَ القومَ دَورُ كأسٍ وكان سكري من المُديرِ @@ فعند غلبات السكر يخفن النشوز والنفور ؛ لضعف الحال وقوة سطوة النوال { فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ } [ النساء : 34 ] ، فالخطاب بالعظة والهجران لأهل الكمال من الرجال القوامين على النسوان ؛ وهن الضعفة من الطلاب ، يشير إلى التخويف بالهجران لتأدب الشكر إن كان ، كما كان حال الخضر مع موسى عليه السلام فلما دارت بينهما كؤوس المصاحبة وبلغ السيل زبى المراقبة ، تساكر موسى عليه السلام وقال بلسان المعاتبة : { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } [ الكهف : 71 ] ، فخوفه الخضر بضرب من تعريض الهجران فقال : { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } [ الكهف : 72 ] ، إلى أن عارضه مرة أخرى ووقع الحافر الكدي ضربه بعد الامتحان بعصا الهجران و { قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } [ الكهف : 78 ] ، هذا قانون أرباب الكمال المسلكين بالأصحاب إلى حضرة الحال ، { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ } [ النساء : 34 ] ، فإن رأوا عنهم في أثناء السلوك نشوزاً من الملال أو عربة من غلبات الأحوال ، يعظوهم بالمقال ، فإن لم يتعظوا فبالفعال ، فإن لم ينتفعوا فبالانتقال ، فلمن تتعظوا بأن يطعن لكم ويتأذين ، { فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } [ النساء : 34 ] بانتقام ما جرى فيهن ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } [ النساء : 34 ] ، لا يؤاخذ ضعف الطلبة عند العجز والغفلة .