Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 35-36)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } [ النساء : 35 ] ، يشير إلى خلاف يقع بين الشيخ الواصل في المريد المتكامل ، { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ } [ النساء : 35 ] ، متوسطين ؛ أحدهما : من المشايخ المعتبرين ، والثاني : من معتبري السالكين ؛ لينظر إلى مقالها ويتحققا أحوالهما ، { إِن يُرِيدَآ إِصْلَٰحاً } [ النساء : 35 ] ، بما رأى فيه صلاحهما { يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ } [ النساء : 35 ] ، بالإرادة وحسن التربية ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ } [ النساء : 35 ] في الأزل { عَلِيماً } [ النساء : 35 ] ، بأحوالهما ، { خَبِيراً } [ النساء : 35 ] بجمالهما ، فقدر لكل واحد منهما بما عليهما وبما لهما . ثم أخبر عما لهما وعليهما بقوله تعالى : { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } [ النساء : 36 ] ، إشارة في الآيات : إن العبد مأمور بعبادة الله تعالى وعبوديته بالإخلاص دون الشرك فيهما ، بقوله تعالى : { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [ النساء : 36 ] ، فالعبادة أن تعبدوا الله وحده بطريق أوامره ونواهيه ، ولا تعبد معه شيئاً من الدنيا والعقبى ، فإنك لو عبدت الله خوفاً من شيء أو طمعاً في شيء فقد عبدت ذلك الشيء ، لقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } [ الحج : 11 ] ، قال تعالى : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } [ السجدة : 16 ] ، والعبودية طلب المولى للمولي بترك الدنيا والعقبى ، والتسليم عند جريان القضاء شاكراً صابراً في النعماء والبلوى ، كقوله تعالى : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [ الأنعام : 52 ] ، فإذا حصل المقصود وصل العابد إلى المعبود ، فحينئذ يصح عنه ، { وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } [ النساء : 36 ] ؛ لأن الإحسان من صفات الله تعالى ، كقوله : { ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [ السجدة : 7 ] ، والإساءة من صفات الإنسان فإن النفس الأمارة بالسوء ، فالعبد لا يصدر منه الإحسان إلا أن يكون متخلقاً بأخلاق الله تعالى فانياً عن أخلاق نفسه ، كما قال تعالى : { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [ النساء : 79 ] ، وفيه إشارة أخرى ؛ وهي : إن لشرط العبودية الإقبال إلى الله تعالى بالكلية والإعراض عما سواه ، حتى يخرج عن عهدة العبودية بالوصول إلى حضرة الربوبية ، فتفنى عنك به وتتقرب به للوالدين ، وغيرهما محسناً بإحسانه لا بشرك ورياء ، فإن الشرك والرياء هاء النفس ، فإذا فنيت النفس فنيت أوصافها ، ولهذا قال تعالى عقيب الآية : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } [ النساء : 36 ] ؛ لأن الاختيال والفخر من أوصاف النفس ، والله تعالى لا يحب النفس ولا أوصافها ؛ لأن النفس لا تحتسب الدنيا ولا المحبة من أوصافها ، فإن النفس تحب الدنيا وتبخل بها وتأمر بالبخل .