Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 80-82)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر أن الوصول في طاعة الرسول بقوله تعالى : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] ، إشارة في الآيتين : إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوصف بالفناء ، فنياً في الله باقياً بالله قائماً مع الله ، وكان خليفة الله على الحقيقة فيما يعامل الخلق ، حتى قال تعالى : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [ الأنفال : 17 ] ؛ يعني : { وَمَا رَمَيْتَ } [ الأنفال : 17 ] ، من حيث كنت بك أنت ، { إِذْ رَمَيْتَ } [ الأنفال : 17 ] ، بخلافة الله بالله لا بك ، { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [ الأنفال : 17 ] ، إذا كنت به أنت ، وكان الله خليفته فيما يعامل الخلق حتى قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [ الفتح : 10 ] ؛ لأن الله بخلافتك باق عنك ، فبكونه كان خليفة بك عنك للخلق فكانت { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [ الفتح : 10 ] ، { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] ؛ لأن الرسول فانياً عنه باقياً بالله والله خليفته ؛ ولهذا كان يقول صلى الله عليه وسلم : " الله خليفتي على أمتي " ، { وَمَن تَوَلَّىٰ } [ النساء : 80 ] ؛ يعني : عن طاعة الرسول فقد تولى عن الله تعالى : { فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } [ النساء : 80 ] ؛ أي : حافظاً ، فإنك لست بذلك حافظاً فكيف لهم ؟ فإنهم تولوا عني ولا عنك فإنما على حسابهم لا عليك لقوله تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم } [ الغاشية : 21 - 22 ] ، إلى آخر السورة . وفي قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ } [ النساء : 81 ] ، إشارة إلى أحوال كثير مريدي هذا الزمان ، إذا كانوا حاضرين في الصحبة ينعكس عليهم تلالاً من أشعة أنوار الولاية في مرآت قلوبهم ، فيزدادون إيماناً مع إيمانهم ، وإرادة مع إرادتهم ، فيصغون بآذانهم الواعية إلى الحكم والمواعظ الحسنة ، { تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ } [ المائدة : 83 ] ، ويقولون السمع والطاعة فيما يسمعون ويخاطبون به ، { فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ } [ النساء : 81 ] ، وهبت عليهم رياح الهوى والشهوة والحرص ، وتمايلت قلوبهم من مجازاة القرار على الولاية ، وعاد المشئوم إلى طبعه { بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ } [ النساء : 81 ] ؛ أي : تقدر وتقرر مع نفسه ، { غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ } [ النساء : 81 ] ، يغير عليهم { مَا يُبَيِّتُونَ } [ النساء : 81 ] ؛ أي يعيرون على أنفسهم ؛ لأن { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ الرعد : 11 ] ، { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } [ النساء : 81 ] ؛ أي : فأصفح عنهم وأصبر معهم ، { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } [ النساء : 81 ] ، لعل الله يصلح بالهم ولا يجعل التغيير وبالهم ، ويحسن عاقبتهم ومالهم ، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } [ النساء : 81 ] ، للمتوكلين عليه والملتجئين إليه . ثم أخبر عن الدواء كما أخبر عن الداء بقوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ } [ النساء : 82 ] ، والإشارة فيها : إن العباد لو لم يتدبرون ويتفكرون في آثار معجزاته وأنوار هدايته ، ومظهر آياته وكمال فصاحته ، وجمال بلاغته وجزالة ألفاظه ، ورزانة معانيه ومتانة مباينه في أسراره وحقائقه ، ودقة إشاراته ولطائفه ، وأنواع معالجاته لأمراض القلوب في إزالة ضرر الذنوب { لَوَجَدُواْ فِيهِ } [ النساء : 82 ] ؛ لكل داء دواء ولكل مرض شفاء ، ولكل عين قرة ولكل وجه غرة ، والرد الحاسبة موصوفاً بالصفاء محفوظاً عن العداء ، بحراً لا ينفض عجائبه ، وبراً لا ينتفي غرائبه ، روحاً لا تباغض فيه ولا خلاف ، وجنة لا انتقاض فيها ولا اختلاف ، { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [ النساء : 82 ] ، ولم يوجد فيه نقيراً وقمطيراً .