Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 83-84)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفي قوله تعالى : { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ } [ النساء : 83 ] ، إشارة إلى أرباب السلوك وأبناء السير إلى الله إذا فتح لهم من الإنس أو الهيبة والحضور والغيبة من آثار صفات الجمال والجلال ، تغشوا الأسرار إلى الأغيار ، وأشاعوا في الأقطار ، { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ } [ النساء : 83 ] ؛ يعني : ولو كان رجوعهم في حل مثل هذه المشكلات وكشف هذه المعضلات إلى سنن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإلى سير أولي الأمر منهم وهم المشايخ البالغون والواصلون ، ومن كان له شيخ كامل فهو ولي أمره ، { لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [ النساء : 83 ] ، وهم أرباب الكشوف بحقائق الأشياء ، فهم العالمون بعلوم الوقائع الغيبية الغواصون في بحار أوصاف البشرية ، المستخرجون من أوصاف العلوم درر ورق دقائق المعرفة ، { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } [ النساء : 83 ] ببعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم ، { لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 83 ] ، وفي الحقيقة كان النبي صلى الله عليه وسلم فضل الله ورحمته ، يدل عليه قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ } [ الجمعة : 2 ] ، إلى قوله : { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } [ الجمعة : 4 ] ، وقوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] ، فلولا وجود النبي صلى الله عليه وسلم وبعثه لبقوا في نية الضلالة تائهين ، كما قال تعالى : { وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } [ آل عمران : 164 ] ، قبل بعثته ، وكانوا قد اتبعوا الشيطان إلى شفا حفرة من النار ، وكان صلى الله عليه وسلم فضله ورحمته عليهم فأنقذهم منها ، كما قال تعالى : { وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا } [ آل عمران : 103 ] ، وقوله تعالى : { إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 83 ] ، لعل استثناء راجع إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فإنه كان قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم مرافقاً في طلب الحق ، قالت عائشة - رضي الله عنها - : " لم أعقل أبواي قط إلا وهما يدينان بدين الإسلام دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يمر علينا يوماً إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية " . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " كنت وأبو بكر كفرسي رهان فسبقته فتبعني ، ولو سبقني لتبعته " ، والله أعلم . وفي قوله تعالى : { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } [ النساء : 84 ] ؛ المعنى : فجاهد في طلب الحق نفسك ، فإن في طلب الحق لا تكلف نفس أخرى إلا نفسك ، وفيه معنى آخر : لا تكلف نفس أخرى بالجهاد لأجل نفسك ؛ لأن حجابك من نفسك لا من نفس أخرى ، فدع نفسك وتعالى فإنك صاحب { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً } [ الانفطار : 19 ] ؛ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم اختص بهذا المقام من جميع الأنبياء والمرسلين أن يكون فاني النفس ، والذي يدل عليه أن الأنبياء - عليهم السلام - يوم القيامة يقولون لبقاء نفسهم : نفسي نفسي ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لفناء نفسه : " أمتي أمتي " ، فافهم جيداً . ثم قال تعالى : { وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النساء : 84 ] على القتال ؛ يعني : في الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر ، { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ النساء : 84 ] ظاهراً وباطناً ، فالظاهر الكفار ، والباطن النفس ، { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } [ النساء : 84 ] ، في استبطاء سطوات صفات قهره عند تجلي صفة جلاله للنفس من بأس الكافر عليها .