Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 88-89)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن أهل الردة ومن أضله الله عن الهدى بقوله تعالى : { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } [ النساء : 88 ] ، قانتين إشارة في الآيتين : إن الاختلاف واقع بين الأمة في أن خذلان المنافقين إنما هو { مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } [ البقرة : 109 ] ؛ أو أمر من عند الله وقضائه وقدره ، فبين الله تعالى : { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ } [ النساء : 88 ] ، إلى قوله : { فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } [ النساء : 90 ] ، فتبين أنهما فرقتين ، فرقة يقولون : الخذلان في النفاق منهم ، وفرقة يقولون : من الله وقضائه وقدره ، { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ } [ النساء : 88 ] ؛ يعني : إن الله تعالى تكسبهم بقدره وردهم بقضائه إلى الخذلان للنفاق ، ولكن بواسطة كسبهم ما يثبت النفاق في قلوبهم { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ } [ الأنفال : 42 ] ، ولهذا مثال وهو : إن القدر كتقدير نقاش الصورة في ذهنه ، والقضاء كرسمه تلك الصورة لتلميذه بالإسراب ، ووضع التلميذ الأصابع عليها متبعاً لرسم الاستاذ ؛ هو الكسب والاختيار ، والتلميذ في اختياره لا يخرج عن رسم الأستاذ ، كذلك العبد في اختياره لا يمكنه الخروج عن القضاء والقدر ولكنه متردد ، ومما يؤيد هذا المثال والتأويل قوله تعالى : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } [ التوبة : 14 ] ، وقال تعالى : { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [ النحل : 127 ] ، وذلك مثل ما ينسب الفعل إلى السبب الأقرب تارة ، وإلى السبب الأبعد أخرى ، فالأقرب كقوله : قطع السيف يد فلان ، والأبعد كقوله : قطع الأمير يد فلان ، ونظيره : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } [ السجدة : 11 ] ، وفي موضع { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا } [ الزمر : 42 ] ، قال ابن نباتة : @ إذا ما الإلهُ قَضى أمرَه فأنتَ إلى ما قَضاهُ السّبَبْ @@ فعلى هذه القضية : " من زعم أن لا عمل للعبد أصلاً فقد عاند وجحد ، ومن زعم أنه مستبد بالعمل فقد أشرك " ، ثم قال تعالى : { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ } [ النساء : 88 ] ؛ لأن تهدوا { مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } [ النساء : 88 ] ؛ أي : قدر له بالضلالة من الأزل ، { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } [ النساء : 88 ] بقضائه وقدره ، { فَلَن تَجِدَ } [ النساء : 88 ] ، يا محمد { لَهُ سَبِيلاً } [ النساء : 88 ] ، إلى الهداية ؛ لأنك { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [ القصص : 56 ] الآن ، و { ٱللَّهَ يَهْدِي } [ القصص : 56 ] الآن ، { مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] بالهداية في الأزل ، فإن مشيئته أزلية ، فاعلم أن اختيار العبد بين طرفي الجبر ؛ لأن أول الفعل وأخره إلى الله ، فالعبد بين طرفي الاضطرار مضطر إلى الاختيار ، فافهم جيداً . ثم قال : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } [ النساء : 89 ] ، إشارة إلى من ود الكفر لغيره فذلك من إمارة الكفر في باطنه وإن كان يظهر الإسلام ؛ لأنه يود تسوية الاعتقاد فيما بينهما ، وهذا من خاصة الإنسان إنه يحب أن يكون كل الناس على مذهبه واعتقاده ودينه ، وقالوا : " الرضا بالكفر كفر " ، ثم نهى المؤمنين عن موالاة المنافقين ؛ لئلا يتعدَّى نفاقهم إليهم ، وقال تعالى : { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } [ النساء : 89 ] ؛ يعني : يهجروا خلاق السوء ويفارقوا عن النفاق { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } ؛ أي : في طلب الحق والرجوع في سبيل الهوى ، وفيه إشارة إلى أرباب الطلب السائرين إلى الله تعالى ألاَّ يتخذوا من أهل الدنيا وإتباع الهوى أولياء لعباد لا يخالطوهم ، حتى يهاجروا عما هم فيه من الحرص والشهوة وحب الدنيا ، ويوافقوكم في طلب الحق وترك الدنيا وزخارفها ، { فَإِنْ تَوَلَّوْاْ } [ النساء : 89 ] عما أنتم عليه من التوجه إلى الحق والتوالي عن الباطل ، { فَخُذُوهُمْ } [ النساء : 89 ] ، بالعظة الحسنة والنصح والتبليغ ، { وَٱقْتُلُوهُمْ } [ النساء : 89 ] بسيف صدقكم وموعظتكم عن جدالكم بالحق ، { حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ النساء : 89 ] كلما رأيتموهم ، وفيه معنى آخر : واقتلوا أنفسكم من حيث وجدتم صفة من صفاتها غالبة ، فإن تزكية النفس في اعتدال صفاتها ، { وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً } [ النساء : 89 ] ؛ أي : صديقاً وخليلاً ، " فإن المرء على دين خليله " ، { وَلاَ نَصِيراً } [ النساء : 89 ] ؛ أي : معاوناً في أمر من الأمور الدنيوية ؛ لئلا يشوب نصحكم وعظتكم لهم بعلة دنيوية فلا يتصرف ولا يؤثر فيهم .