Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 92-93)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن المؤمن أنه لا يقتل مؤمناً بقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } [ النساء : 92 ] ، والإشارة فيها : إن ليس لمؤمن الروح أن يقصد قتل مؤمن القلب إلا إن قتل خطأ ، وذلك أن الروح إذا خلصت عن حجب صفات البشرية تتجلى الروح للقلب فتنور بأنوار الروحانية ، ثم تنعكس أنوار الروح عن مرآة القلب إلى النفس الأمارة فتموت عن صفاتها الذميمة الظلمانية وتحيى بالصفات الحميدة النورانية ، وتطمئن إلى ذكر الله لاطمئنان القلب به ؛ ففي بعض الأحوال تتأيد الروح بوارد روح قدس رباني ، وتتجلي في تلك الحالة الروح للقلب ، فيخر موسى القلب صعقاً ميتاً بسطوة تجلي روح القدس الرباني ، ويجعل جبل النفس الكافر دكاً { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً } [ النساء : 92 ] ؛ أي : قلباً مؤمناً ، { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } [ النساء : 92 ] ؛ وهي رقبة السر الروحاني ، فتصير رقبة السر محررة عن رق المخلوقات ، { وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } [ النساء : 92 ] ؛ يعني : يسلم العاقلة وهو الله تعالى دية القلب إلى أهله ؛ وهم أوصافه الحميدة الروحانية من جمالات الألطاف لتصير الأوصاف بها أخلاق ربانية ، { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } [ النساء : 92 ] ؛ يعني : إلا أن يتصدق الأوصاف الروحانية القلبية هذه الرتبة على فقراء ومساكين أوصاف النفس الحيوانية والشيطانية { فَإِن كَانَ } [ النساء : 92 ] لمعنى القتيل بالتجلي ، { مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ } [ النساء : 92 ] ؛ أي : صفة من صفات النفس ، وهي عدو لكم { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ النساء : 92 ] ؛ يعني : هذه الصفة بأنوار الروح القدس دون أخواتها من الصفات ، { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } [ النساء : 92 ] ؛ وهي رقبة القلب تصير محررة عن رق حب الدنيا ، ولا دية لأهل القتيل وهم لهم بقية أوصاف النفس ؛ لأنهم كفار يخربون القلب وأوصافه ، { وَإِن كَانَ } [ النساء : 92 ] ؛ يعني : القتيل { مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ } [ النساء : 92 ] ؛ وهم صفات النفس وميثاقها قبول أحكام الشرع ظاهراً ، أو ترك المحاربة مع القلب وأوصافه باطناً ، { فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ } [ النساء : 92 ] على عاقلة الرحمة ، { إِلَىۤ أَهْلِهِ } [ النساء : 92 ] ، إلى أهل تلك الصفة المقتولة وهم بنية صفات النفس ، كما قال تعالى : { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } [ يوسف : 53 ] ، { وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } [ النساء : 92 ] ؛ وهي رقبة القلب محررة عن رق الكونين ، { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } [ النساء : 92 ] ؛ يعني رقبة مؤمنة من القلب والروح والسر ؛ لتحرير رقابهم عن رق ما سوى الله ، { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [ النساء : 92 ] ؛ يعني : فعليه الإمساك عن مشارب العالمين على التتابع والدوام ، مراقباً قلبه لا يدخله شيء من الدنيا والآخرة ، مراعياً وقته لا يفوته طرفة عين ، بحيث لو أفطر بأدنى شيء من المشارب كلها يستأنف الصوم بالإمساك ، ولا يفطر بشيء دون لقاء الله تعالى كما قال قائلهم : @ وحق له لما اعتراه نواكم لقد صام طرفي عن شهود سواكم ويبدو هلال الصب حين يراكم يعيد قوم حين يبدو هلالهم @@ وفي قوله تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [ النساء : 92 ] ، إشارة أخرى ؛ وهي أن تربية النفس وتزكيتها ببذل المال وترك الدنيا مقدمة على تربيتها بالجوع والعطش وسائر المجاهدات ، فإن : " حب الدنيا رأس كل خطيئة " ، وهو عقبة لا يقتحمها إلا الفحول من الرجال ، كقوله تعالى : { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ } [ البلد : 11 - 13 ] ، وإن أول قدم السالك أن يخرج من الدنيا وما فيها ، وثانية أن يخرج من النفس وصفاتها ، كما قال : دع نفسك وتعالى ، وقال تعالى : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [ البقرة : 149 ] ، وفي قوله : { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ } [ النساء : 92 ] ، إشارة إلى : إن الإمساك عن المشارب كلها من الدنيا والآخرة على الدوام ، وهي جذبة من الله تعالى { وَكَانَ ٱللَّهُ } [ النساء : 92 ] في الأزل { عَلِيماً } [ النساء : 92 ] بمن يصلح لهذه الجذبة ، { حَكِيماً } [ النساء : 92 ] فيما اختارها يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . ثم أخبر عن قصد قتل المؤمن بالعمل بقوله تعالى : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } [ النساء : 93 ] ، والإشارة فيها : إن القلب مؤمن من أصل الفطرة ، والنفس كافرة في أصل الخلقة ، وبينهما عداوة جبلية وقتال أصلية وتضاد كلية ، فإن في حياة النفس موت القلب ، وفي حياة القلب موت النفس ، فلما كان نفوس الكفار حية كانت قلوبهم ميتة ، فسماهم الله تعالى الموتى ، كما قال تعالى : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } [ النمل : 80 ] ، ولما كانت نفس الصديق رضي الله عنه ميتة وقلبه حياً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن ينظر إلى ميت يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى أبي بكر رضي الله عنه " ، فالإشارة في قوله تعالى { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } [ النساء : 93 ] ؛ أي : القلب والنفس ؛ يعني : النفس الكافرة إذا قتلت قلباً مؤمناً متعمداً للعداوة الأصلية باستيلاء صفاتها البهيمية والسبعية والشيطانية على القلب الروحاني ، وغلبت هواها عليه حتى يموت القلب ، فإنها سمها القاتل ، { فَجَزَآؤُهُ } [ النساء : 93 ] ؛ أي : جزاء النفس { جَهَنَّمُ } [ النساء : 93 ] ؛ وهي سفل عالم الطبيعة ، { خَٰلِداً فِيهَا } [ النساء : 93 ] ؛ لأن خروج النفس عن سفل الطبيعة إنما كان بحبل الشريعة ، والتمسك بحبل الشريعة إنما كان من خصائص القلب المؤمن بالله ، كقوله تعالى : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ } [ التين : 5 - 6 ] ، فالإيمان والعمل الصالح من شأن القلب وصنيعته ، فإذا مات القلب وانقطع عمله تخلد النفس في جهنم سفل الطبيعة أبداً ، { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ } [ النساء : 93 ] ، بأن يبعدها ويطردها عن الحضرة والقربة ، ويحرمها عن إيصال الخير والرحمة إليها بخطاب { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] ، { وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } [ النساء : 93 ] ، عن حضرة العلي العظيم والحرمات عن جنات النعيم .