Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 1-6)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ حـمۤ } [ غافر : 1 ] ، يشير إلى القسم بسر بينه وبين حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وذلك أن الحاء والميم هما حرفان من وسط اسم الله وهو رحمان ، وحرفان من وسط اسم حبيبه وهو محمد ، كما أن الحرفين سر اسميهما ، فهما يشيران إلى أن القسم بسر كان بينهما أن { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ } [ غافر : 2 ] الذي معز لأوليائه { ٱلْعَلِيمِ } [ غافر : 2 ] ، بما صدر منهم إلى أعز أوليائه به ، { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } [ غافر : 3 ] لهم ما يتوب عليهم ، { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } [ غافر : 3 ] بأن يوفقهم الإخلاص في التوبة ؛ لأنهم مظهر صفات لطفه ، { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } [ غافر : 3 ] لمن لا يؤمن ولا يتوب ؛ لأنهم مظهر صفات قهره ، { ذِي ٱلطَّوْلِ } [ غافر : 3 ] لعموم خلقه بالإيجاد من العدم ، وإعطاء الحياة والرزق بالكرم ، وأيضاً { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } [ غافر : 3 ] لظالمهم ، { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } [ غافر : 3 ] لمقصدهم ، { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } [ غافر : 3 ] لمشركهم ، { ذِي ٱلطَّوْلِ } [ غافر : 3 ] لسابقهم ، ولما كانت من سنة كرمه أن سبقت رحمته غضبه ، غلبت ها هنا أسامي صفات لطفه على اسم صفة قهره ؛ بل من عواطف إحسانه ومراحم طوله وإنعامه جعل صفة اسم قهره بين ثلاثة أسماء من صفات لطفه فصار { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } [ الرحمن : 19 - 20 ] ، فإذا هبت رياح العناية من مهب الهداية ويتموج البحرين فيتلاشى البرزخ باصطكاك البحرين ، ويصير الكل بحراً واحداً ، وهو بحر { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [ غافر : 3 ] ، فإذا كان إليه المصير فقد طاب المصير . وبقوله : { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ غافر : 4 ] ، يشير إلى أنه إذا أظهر البرهان واتضح البيان استسلمت الألباب الصافية للاستجابة والإيمان ، فأما أهل الكفر والطغيان فلهم على الجحود إصرار ، وشؤم شركهم يحول بينهم وبين الإنصاف ، وكذلك أهل الحرمان من كرامات أولياء الله ، وذوق مشاربهم ومقاماتهم يصرون على إنكارهم ، يخصص الله عباده بالآيات ، ويعرضون عليهم بقلوبهم ، فيجادلون في جحد الكرامات ، وسيفتضحون كثيراً ، ولكنهم لا يميزون بين رجحانهم ونقصانهم ، { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ } [ غافر : 4 ] لتحصيل العلوم ؛ إذا كان مبنياً على الهوى والميل إلى الدنيا فلا يكون لها نور يهتدي به إلى ما خصص الله تعالى به عباده المخلصين . { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } [ غافر : 5 ] ، يشير به : إن في كل عصر يكون فيه صاحب ولاية لا بد لهم من أرباب الجحود والإنكار وأهل الإعراض ، كما كانوا في عهد كل نبي ورسول ، { وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } [ غافر : 5 ] ؛ ليكون ذلك سبباً لشقاوة المنكرين ، وسعادة المقربين ثم قال : { فَأَخَذْتُهُمْ } [ غافر : 5 ] ؛ أي : عاقبتهم على ذلك الإنكار بالإصرار عليه ، { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } [ غافر : 5 ] ؛ أي : كان عقاب الدنيا بالإصرار ، وعقاب الآخرة بالنار ، وذلك قوله : { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } [ غافر : 6 ] .