Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 51-54)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } [ فصلت : 51 ] ؛ لأنه إذا خليناه إلى طبيعة الإنسانية وهي الظلومية الجهولية لا يميز بين البلاء والعطاء ، فكثير مما يتوهمه عطاء هو مكر واستدراج وهو يستديمه ، وكثير مما هو فضل ونعمة وصرف عطاء وهو يظنه بلاء فيعافه ويكرهه ؛ بل إذا أنعمنا عليه صاحبه بالبطر ، وإذا أبليناه قابله بالضجر ؛ بل وإذا أنعمنا عليه عجب بنفسه فتكبر مختالاً في زهوة لا يشكر ربه ولا يذكر فضله ، ويشتغل بالنعمة عن المنعم ويتباعد عن نشاط طاعة ، وكالمستغني عنا يهيم على وجهه ، { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } [ فصلت : 51 ] وتضرع شديد بالاظطرار بخصوصية الجوهر الإنسانية فإن له إلى ربه الرجعى عند الاضطرار لحاجته الأصلية الكلية اليد . وبقوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 52 ] يشير إلى أن كل بلاء وعناء ، ونعمة ورحمة ، ومهانة ومسرة تنزل بالعبد ، فهو من عند الله فإن استقبله بالتسليم والرضاء صابراً شاكراً للمولى في الشدة والرخاء والسراء والضراء ، فهو من المهتدين المقربين ، وإن استقبله بالكفران والجزاع بالخذلان فهو من الأشقياء والمبعدين المضلين ، وبقوله : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } [ فصلت : 53 ] يشير إلى معانٍ كثيرة منها : أن الخلق لا يرون آياتنا إلا بإراءة الله إياهم . ومنها : أن الله خلق الآفاق مظهر آياته ، وكذلك نفس الإنسان مظهر آياته . ومنها : أنه ليس للآفاق شعور على الآيات ، ولا على مظهريتها للآيات . ومنها : أن الإنسان هو الذي له شعور على الآيات ، وعلى مظهريته للآيات . ومنها : أن نفس الإنسان مرآة مستعدة لمظهرية جميع آيات الله ، ومظهريتها بإرادة الحق تعالى بحيث تبين له أنه الحق ، ويتبين لغيره أنه الحق ، وفي قوله : { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [ فصلت : 53 ] إشارة إلى : العوام والخواص وأخص الخواص : فأما العوام : فتبين لهم باختلاف الليل والنهار والأحداث التي تجري في أحوال العالم ، واختلاف الأحوال التي تجري عليهم في الطفولية إلى الشيخوخة ، واختلاف أحكام الأعيان مع اتفاق جواهرها في التجانس ، وهذه هي آيات حدوث العالم ، واقتضاء المحدث بصفاته . وأما الخواص : فيتبين لهم ببصائر قلوبهم من شواهد الحق واختلاف الأحوال في القبض والبسط ، والجمع والفرق ، والحجب والجذب ، والستر والتجلي ، والكشوف والبراهين ، وأنوار الغيب وما يجدونه من حقائق معاملاتهم ومنازلاتهم بإراءة الحق تعالى . وأما أخص الخواص : فيتبين بالخروج عن ظلمات حجب الإنسانية إلى نور الحضرة الربانية بتجلي صفات الجمال والجلال كشف القناع الحقيقي عن العين والعيان . ولهذا قال : { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ } [ فصلت : 53 ] بإراءة آياته وتعريف ذاته وصفاته بكشف القناع ورفع الأستار ، { أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ فصلت : 53 ] لا يغيب عن قدرته شيء ، وبقوله : { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ } [ فصلت : 54 ] يشير إلى أن أهل الصورة لفي شك من تجويز ما يكاشف به أهل الحقيقة من أنواع المشاهدات والمعاينات ، { أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ } [ فصلت : 54 ] وهو قادر على التجلي لكل شيء ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إذا تجلى الله لشيء خضع له " .