Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 47-50)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبقوله : { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [ فصلت : 47 ] يشير إلى علم جزاء أعمال العباد يوم القيامة ، فإنه لا يعلمه إلا هو ؛ لأنه { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } [ فصلت : 47 ] ؛ أي : لا تخرج من ثمرة عمل من أعمال العباد من أحكام التقدير الإلهي ، ولا تحمل أنثى نفس بحمل صفة من صفاتها ، ولا تضع من عمل هو من نتائج تلك الصفة إلا بعلمه وتقديره الأزلي ، { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي } [ فصلت : 47 ] ؛ يعني : الذين كانوا يرون أنهم يخلقوا أفعالهم وأعمالهم { قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } [ فصلت : 47 ] يشهد أنه خالق فعله ، وكوشفوا بأنه لا خالق إلا الله ولا وجود في الحقيقة إلا الله ، { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ } [ فصلت : 48 ] له وجود { وَظَنُّواْ } [ فصلت : 48 ] وأيقنوا { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } [ فصلت : 48 ] مهرب إلا الله عند قيام الساعة بتجلي صفة القهارية . ثم أخبر عن اللوم الإنساني والكرم الرباني بقوله تعالى : { لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ } [ فصلت : 49 ] يشير إلى أن الإنسان مجبول على طلب الخير بحيث لا تتطرق إليه الساعة ، فبهذه الخصلة بلغ من بلغ رتبة خير البرية ، وبها بلغ من بلغ دركة شر البرية وذلك ؛ لأنه لما خلق لحمل الأمانة التي أشفق منها البرية { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا } [ الأحزاب : 72 ] ، وهي عبارة عن الفيض الإلهي بلا واسطة وذلك فيض لا نهاية له ، فلحملها احتاج الإنسان إلى طلب غير متناه ، فصرف بعضهم هذا الطلب في قبول الفيض الإلهي وأعرض عن غيره متأخر البرية ، ومن صرف هذا الطلب في تحصيل الدنيا وزينتها وشهواتها واستيفاء لذاتها فما شئتم من الطلب ، وصار شر البرية ، { وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ } [ فصلت : 49 ] وهو فطامه عن مألوفات نفسه وهواه { فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } [ فصلت : 49 ] لا يرجو زوال البلايا والمحن لعدم علمه بربه وانسداد الطريق على قلبه في الرجوع إلى الله ؛ ليدفع عنه ذلك ، { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ } [ فصلت : 50 ] ؛ أي : لئن كشفنا عنه البلاء وأوحينا إليه الرضاء لدعاه استحقاقاً واتفاقاً ، ولا يعتقد ذلك هنا فضلاً وإنعاماً ؛ لأنه محجوب بأنانيته عن هويتنا ؛ بل يرى ذلك من جلادته وكفايته أو من طالعه وجده { لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي } [ فصلت : 50 ] من حسن استعدادي وسعادة طالعي . وبقوله : { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ } [ فصلت : 50 ] بالحشر والنشر { إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [ فصلت : 50 ] بحسب قسمي وسعد طالعي ، { فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ } [ فصلت : 50 ] ؛ أي : فلينجزينهم بجزاء ما عملوا { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ فصلت : 50 ] وهو عذاب الطرد والبعد ، وإفساد استعداد الروح لقبول الفيض وحرمة حرمانه ، وقد كان معذباً بهذا العذاب ولكنه لم يجد ذوق العذاب وألمه ، فلنذيقنه الآن بعد انتباهه من نومة غفلته .