Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 13-15)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن تبيين الدين بقوله تعالى : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ } [ الشورى : 13 ] يشير إلى أصول الدين أنها لم تختلف في جميع الشرائع ، فأما الفروع فمختلفة فالآية تدل على أن مسائل أحكامها في جميع الشرائع واحدة ، ثم بين بقوله : { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ } [ الشورى : 13 ] ؛ أي : في الأصول ؛ وهي التوجه إلى الله بالكلية في صدق الطلب بتزكية النفس عن الصفات الذميمة ، وتصفية القلب عن تعلقات الكونين ، وتحلية الروح بالأخلاق الربانية ، ومراقبة السر بكشف الحقائق وشواهد الحق ، { وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } [ الشورى : 13 ] ؛ أي : في الدين تفرق أهل الأهواء بالبدع بحسبان المعرفة والبراهين المعقولة ، { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ } [ الشورى : 13 ] مشرك أهل الأهواء والسمعة والرياء { مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } [ الشورى : 13 ] من التوحيد والوحدة . وبقوله : { ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } [ الشورى : 13 ] يشير إلى مقامي المجذوب والسالك ، فإن المجذوب من الخواص اجتباه في الأزل وسلكه في سلك من يحبهم واصطنعه لنفسه تعالى ، وجذبه به عن الدارين بجذبة توازي عمل الثقلين { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 55 ] ، والسالك من العوام الذين سلكهم في سلك من يحبونه موفقين للهداية على قدمي الجهد والإنابة ، إلى سبيل الرشاد في طريق العناد ، { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ } [ الشورى : 14 ] ؛ يعني : أهل الأهواء والبدع { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } [ الشورى : 14 ] من الكتاب والسنة { بَغْياً بَيْنَهُمْ } [ الشورى : 14 ] ؛ أي : حسد بعضهم على بعض طلباً للرئاسة والقدرة والشهرة ، { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [ الشورى : 14 ] بافتراقهم ثلاثة وسبعين فرقة افتراق كل فرقة في زمان معين ، { لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ } [ الشورى : 14 ] بالهداية . وبقوله : { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ } [ الشورى : 14 ] يشير إلى الذين أورثهم الكتاب ، الذين اصطفيناهم من العباد بعد أهل الأهواء والبدع ، { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } [ الشورى : 14 ] من افتراق المبتدعين { مُرِيبٍ } [ الشورى : 14 ] لباطليتهم ، { فَلِذَلِكَ } [ الشورى : 15 ] ؛ أي : لبطلان مذاهب الأهواء والنوع { فَٱدْعُ } [ الشورى : 15 ] إلى صراط مستقيم السنة { وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } [ الشورى : 15 ] بالكتاب في الدعاء والطاعة ، أمر الكل بالاستقامة وأقره الداعي بذكر الاستقامة واختصمه به لاستقامة تبعية ، ثم قال : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ } [ الشورى : 15 ] ؛ ليعلم أن إتباع الأهواء ضلالة وإن كان مقروناً بشبه المعقول ، والإيمان بما أنزل الله في التوحيد والمعرفة ، وإثبات الصفات ونفي التشبيه والتعطيل هداية ، { وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } [ الشورى : 15 ] ؛ أي : لأستوي بين أهل الأهواء وبين أهل السنة بترك البدعة ولزوم الكتاب والسنة ؛ ليندفع الافتراق ويكون الاجتماع ، { ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } [ الشورى : 15 ] لا الهوى { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } [ الشورى : 15 ] مقبولاً للسنة لا علينا وعليكم ، مردوداً للبدعة ، { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } [ الشورى : 15 ] ؛ أي : خصومة بالأهواء والعصبية ، { ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا } [ الشورى : 15 ] في المرافقة بالسير إلى الله ، { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [ الشورى : 15 ] بانتهاء السير إلى الله كقوله : { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } [ النجم : 42 ] .