Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 8-12)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ الشورى : 8 ] كالملائكة المقربين { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] ، أو جعلهم كالشياطين المبعدين المطرودين المتمردين ، ولكن الحكمة الإلهية اقتضت أن يجعلهم مركبين من جوهري الملكي والشيطاني ؛ ليكونوا مختلفين بعضهم الغالب عليه الوصف الملكي مطيعاً لله تعالى ، وبعضهم الغالب عليه الوصف الشيطاني متمرداً على الله تعالى ؛ ليكونوا مظاهر صفات لطفه وقهره ، مستعدين لمرآة صفات جماله وجلاله ، متخلقين بأخلاقه ، وهذا سر قوله : { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } [ البقرة : 31 ] ومن هنا قالت الملائكة : { سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ } [ البقرة : 32 ] ويدل على هذا التأويل قوله تعالى : { وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } [ الشورى : 8 ] ؛ ليكون مظهراً لصفات لطفه { وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [ الشورى : 8 ] ؛ ليكونوا مظهراً لصفات قهره . وبقوله : { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ } [ الشورى : 9 ] يشير إلى أنه لا ولاية لأحد دونه ، فالله هو متولي الأمور في الخير والشر والنفع والضر ، { وَهُوَ } [ الشورى : 9 ] الذي { يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } [ الشورى : 9 ] ؛ أي : النفوس والقلوب ، اليوم وغداً ، { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الشورى : 9 ] من الإيجاد والإعدام ، وبقوله : { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ } [ الشورى : 10 ] يشير إلى اختلاف العلماء في شيء من الشرعيات والمعارف الإلهية ، فالحكم في ذلك إلى كتاب الله وسنة رسول الله ، وإجماع الأمة وشواهد القياس ، أو إلى أهل الذكر ، كما قال تعالى : { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 43 ] ولا ترجعون إلى العقول المشوبة بآفة الوهم والخيال ، فإن فيها للنفس والشيطان مدخلاً بإلقاء الشبهات ، وأدنى الشبهة في التوحيد كفر ، وقد زلت أقدام جميع أهل الأهواء والبدع والفلاسفة عن الصراط المستقيم والدين القويم بهذه المذلة ، وبقوله : { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [ الشورى : 10 ] يشير إلى أنه إذا اشتغلت قلوبكم بحديث نفوسكم لا تدرون أبالسعادة جرى حكمكم ، أم بالشقاوة مضى أسمكم ؟ فكلوا الأمر إلى الله واشتغلوا في الوقت بأمر الله دون التفكير فيما ليس لعقولكم سبيل إلى معرفته وعلمه من عواقبكم . { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ الشورى : 11 ] سماوات القلوب عن معالم الغيوب ، { وَٱلأَرْضِ } [ الشورى : 11 ] أرض النفوس عن عوالم الغيوب ، { جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } [ الشورى : 11 ] أي : خلق حواء النفس من ضلع آدم الروح لتسكن إليها ، { وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً } [ الشورى : 11 ] ؛ أي : خمر في طينتكم صفات الأنعام بأضعاف ما فيها ، { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } [ الشورى : 11 ] يخلقكم في وصف الأنعام لاستعداد حمل الأمانة التي ما حملها الملائكة ؛ لكونهم أرواحاً مفردة ، ولا الحيوانات ؛ لأنها عرية في الأرواح الروحانية ، وحملها الإنسان ؛ لكونه مركباً من الروح الملكي والجسد الحيواني ، ثم قال في هذا المعرض : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] ؛ يعني : شيئاً من هذه الأشياء التي ركب منها الإنسان من جميع الموجودات ، فإنه نسخة العالم بما فيه من العناصر الأربعة : النبات والحيوان ، والأجرام ، والنفوس ، والأرواح ، ثم قال : { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] ؛ أي : مع أنه تعالى سميع بصير والحيوان أيضاً سميع بصير ولكن لا شبه له في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أحكامه ، على أن قوماً وقعوا في تشبيه ذاته بذات المخلوقين فوصفوه بالحد والنهاية والكون في المكان ، وأقبح قولاً منهم من وصفه بالجوارح والآلات ، وقوم وصفوه بما هو تشبيه في الصفات فظنوا أن بصره في حدقة ، وسمعه في عضو ، وقدرته في يد إلى غير ذلك ، وقوم قاسوا حكمه على حكم عباده فقالوا : ما يكون من الخلق حسناً فمنه حسن فؤلاء كلهم أصحاب التشبيه ، والحق تعالى مستحق التنزيه دون التشبيه ، محقق بالتحصيل دون التعطيل والتمثيل ، مستحق التوحيد دون التحديد ، موصوف بصفات الكمال ، مسلوب عن العيوب والنقصان ، { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الشورى : 12 ] ؛ أي : مفاتيح سماوات القلوب وفيها خزائن لطفه ورحمته ، وأرض النفوس وفيها خزائن قهره وعزته ، فكل قلب مخزن لنوع من ألطافه فبعضها مخزن المعرفة ، وبعضها مخزن المحبة ، وبعضها مخزن الشوق ، وبعضها مخزن الإرادة ، وغير ذلك من الأحوال كالتوحيد والتفريد والهيبة والأنس والرضا وغير ذلك ، وكل نفس مخزن لنوع من أوصاف قهره ، فبعضها مخزن النكرة ، وبعضها مخزن الجحود ، وبعضها مخزن الإنكار ، وغير ذلك من الأخلاق الذميمة كالشرك والنفاق ، والحرص والكبر ، والبخل والشره ، والغضب والشهوة ، وغير ذلك ، وفائدة التعريف أن المقاليد له قطع أفكار العباد من الخلق إليه في جلب ما يريدونه ودفع ما يكرهونه ، فإنه { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ الشورى : 12 ] يوسع ويضيق رزق النفوس ورزق القلوب ، والخلق بمعزل عن هذا الوصف .