Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 1-8)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [ الزخرف : 1 - 2 ] يشير إلى القسم بحاء حياته وميم ملكه معناه وحياتي وملكي ، وهذا القرآن المبين الذي أبان طريق وصول السالكين إلى الله والمعتصمين بالله ، إن الذي أخرت من رحمتي لعبادي المؤمنين حق وصدق ، { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [ الزخرف : 3 ] بعد أن كان القرآن كلامي وصفتي قائمة بذاتي ، عرية عن كسوة العربية ، منزهة عنها وعن توابعها ، وإنما كسوناها العربية ليتيسر عليكم فهم معناه ، وذلك قوله : { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [ الزخرف : 3 ] ؛ أي : تفهمون معناه ، { وَإِنَّهُ } ؛ يعني : القرآن { فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ } وهو علم الحق تعالى فإنه أصل كل كتاب ، ولهذا المعنى قال في أم الكتاب { لَدَيْنَا } [ الزخرف : 4 ] نظيره قوله : { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } [ الرعد : 39 ] ، وقوله : { لَعَلِيٌّ } [ الزخرف : 4 ] قدره { حَكِيمٌ } [ الزخرف : 4 ] محكم الوصف لا تبديل له ولا تحويل ، { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً } [ الزخرف : 5 ] ؛ أي : أفنترككم ولا نذكركم ونقطع عنكم خطابنا وتعريفنا ؛ أي : لا تفعل ذلك ، { أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } [ الزخرف : 5 ] بأن أسرفتم في خلافكم ؛ أي : لا ندفع عنكم التكليف بأن خالفتم ، ولا نهجركم بقطع الكلام عنكم وإن أسرفتم ، وفي هذا إشارة لطيفة وهي ألا يقطع الخطاب اليوم عمن تمادى في عصيانه ، وأسرف أكثر شأنه فأحرى من لم يقصر في إيمانه وإن تلطخ بعصيانه ، ولم يدخل خلل في عرفانه لا يمنع عنه لطائف غفرانه وعواطف إحسانه ، وبقوله : { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } [ الزخرف : 6 ] ، { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ الزخرف : 7 ] يشير إلى كمال ظلومية نفس الإنسان وجهوليتها ، وكمال حكم الله وكرمه وفضل ربوبيته بأنهم وإن بالغوا في إظهار أوصافهم الذميمة وأخلاقهم اللئيمة ، بالاستهزاء مع الأنبياء والمرسلين والاستخفاف بهم ، إلى أن كذبوهم وسعوا في قتلهم من أهل الأولين والآخرين ، وكذلك يفعلون أهل كل زمان مع ورثة الأنبياء من العلماء المتقين ، والمشايخ السالكين الناصحين لهم ، الداعين إلى الله والهادين لهم ، وإن الله تعالى لم يقطع عنهم مراحم فضله وكرمه ، وكان يبعث إليهم الأنبياء ، وينزل عليهم الكتب ، ويدعوهم إلى جناته ، وينعم عليهم بعفوه وغفرانه ، ومن غاية أفضاله وإحسانه تأديباً وترهيباً لعباده أهلك بعض المتمردين المتمادين في الباطل ؛ ليعتبر المتأخرون من المتقدمين وذلك قوله : { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الزخرف : 8 ] .