Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 9-16)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن فضله مع الكفار بتوفيقهم للإقرار بقوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [ الزخرف : 9 ] يشير إلى أن جبلة الإنسان معرفة الله مركوزة وذلك ؛ لأن الله تعالى أخذ ذرات ذريات بني آدم من ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم بخطاب : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [ الأعراف : 172 ] ، فاسمعهم خطابه وعرفهم بربوبيته ووفقهم لإجابته حتى قالوا : بلى ، فصار ذلك الإقرار بذر ثمرة إقرارهم بخالقية الله تعالى في هذا العالم الذي هو العزيز ، فلعزته لا يهتدي إلى سرادقات عزته إلا من أعزه بجذبات عناية العليم الذي يعلم { حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] ، { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } [ الأنعام : 117 ] بكمال حكمته ، وبقوله : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } [ الزخرف : 10 ] يشير إلى أرض النفس إنه جعلها قراراً للروح { وَجَعَلَ لَكُمْ } [ الزخرف : 10 ] ؛ أي : للأرواح { فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ الزخرف : 10 ] إلى حضرة الربوبية إذا جاءتهم في الله كما قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت : 69 ] ، { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [ الزخرف : 11 ] سماء الروح { مَآءً } [ الزخرف : 11 ] ماء الهداية { بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } [ الزخرف : 11 ] ؛ أي : فأحيينا به بلدة القلب الميت { كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } [ الزخرف : 11 ] من ظلمات أرض الوجود بإحياء الأرواح إلى نور الله ؛ ليحيا به كما قال : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا } [ الأنعام : 122 ] ، { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } [ الزخرف : 12 ] ؛ أي : أصناف الخلق وأنواع المخلوقات كما قال : { مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [ يس : 36 ] ، { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ } [ الزخرف : 12 ] ؛ أي : فلك القلوب وأنعام النفوس { مَا تَرْكَبُونَ } . { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ } [ الزخرف : 13 ] بتسخيرها لركوبكم { إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } [ الزخرف : 13 ] ولو لم ينعم علينا بتسخيرها { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } [ الزخرف : 13 ] مطيعين لتسخيرها ، { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } [ الزخرف : 14 ] كما جئت أول مرة كما قال : { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } [ الأنبياء : 104 ] فكان بدء خلقنا بإشارة أمركن أخرج أرواحنا من كتم العدم إلى عالم الملكوت ، ثم بنفخة الخاصة رددنا أسفل سافلين القالب وهو عالم الملك ، ثم بجذبة { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] أعادنا على مركب النفوس من عالم الملك إلى ساحل بحر الملكوت ، ثم سخر لنا فلك القلوب وسيرنا في بحر الملكوت إلى عالم الربوبية . وبقوله : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا } [ الزخرف : 15 ] يشير إلى خصوصية الإنسان بكفران النعمة لله تعالى ؛ لأنه عز وجل بعد أن أنعم على الإنسان باستعداد الرجوع إلى الحضرة وهيأ أسبابه للرجوع ، جعلوا الملائكة وهم عباده جزء منه بأنهم قالوا هم بنات الله ، والبنت تكون جزء من والدها ولهذا قال : { إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } [ الزخرف : 15 ] ، { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } [ الزخرف : 16 ] .