Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 33-37)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبقوله : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } [ الزخرف : 33 ] يشير إلى الجبلة الإنسانية التي طبعت على حب الدنيا وزخارفها واستيفاء شهواتها ؛ لأن الإنسان خلق منها ، وله نفس حيوانية مائلة إلى مراتع الدنيا وزخارفها ، فإن الكفر والجهل والظلم مركوز في طبيعتها ؛ لأنها منشأ الأوصاف البهيمية والسبعية والشيطانية ، فلو خليت إلى طبعها ووافق لها مقتضاها ومنتهى هواها من الدنيا وزخارفها لمالت إليها ، واستغرقت في بحر غفلاتها ، ولم تتضرع إلى طاعة ربها ، وعبودية خالقها ، وطلب معرفته ، وإن الله تعالى بكمال حكمته لم يخلق الإنسان على طبيعة واحدة في الطاعة والعبودية ؛ لأنه تعالى خلق الملائكة عل هذه الطبيعة لتكون مظهراً لصفات لطفه ، كذلك لم يخلقهم على طبيعة واحدة في الكفر والتمرد ؛ لأنه تعالى خلق الشياطين على هذه الطبيعة ؛ ليكونوا مظهراً لصفات قهره ، وإنما خلق الإنسان أطواراً مختلفة ، ليكون بعضهم مظهراً لصفات لطفه كالملائكة ، وبعضهم مظهراً لصفات قهره كالشياطين ، وبعضهم مظهراً لصفات لطفه وقهره جميعاً في سر { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } [ البقرة : 31 ] وخصوصيتهم بهذه الكرامة من بين سائر المخلوقات وهم خلفاء الله في أرضه وهم زبدة العالم وخلاصته ، وهم الذين خلقوا لإظهار الكنز المخفي ومعرفته ، والعالم بما فيه تبع لوجودهم ، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض و { هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } [ البينة : 7 ] ، وهم الذين يحبهم ويحبونه ، ولولا أن الله تعالى أخرجهم من ظلمات طبيعتهم ، وهداهم إلى نور ذاته وصفاته بجذبات عنايته لا يجذعوا بزخارف الدنيا إذ جعل الله لهم من الزخرف بيوتاً { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } [ الزخرف : 34 ] ، { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الزخرف : 35 ] لا دوام له ولا حاصل الدائمة والقربة اللازمة عند ربك ؛ أي : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 55 ] للمتقين الذين اتقوا ربهم عما سواه . ثم أخبر عن تارك الذكر والفكر بقوله تعالى : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } [ الزخرف : 36 ] يشير إلى من أعرض عن الله بالإقبال على الدنيا { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } [ الزخرف : 36 ] وإن أصعب الشياطين نفسك الأمارة بالسوء ، { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] ملازم لا تفارقه في الدنيا والآخرة ، فهذا جزاء من ترك المجالسة مع الله بالإعراض عن الذكر فإنه يقول : " أنا جليس من ذكرني " فمن لم يعرف قدر خلوته مع الله ، وحاد عن ذكره ، وأخلد إلى الخواطر النفسانية الشيطانية سلط الله عليه من يشغله عن ربه وصرفته سطوات الأنوار الإلهية عنه ، ومن لم يعرف قدر فراغ قلبه ، واتبع شهوته وفتح بابها على نفسه بقى في يد هواه أسيراً غالباً عليه أوصاف شيطنة النفس وهذا تحقيق قوله : { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } [ الزخرف : 37 ] ؛ أي : عن سبيل الله بالشبهات التي توقعهم في ضلالات البدع والأهواء ، { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } [ الزخرف : 37 ] الذي سولت له نفسه أمراً فيتوهم أنه على صواب ، ثم يحمل قرينة السوء على موافقته في باطله ويدعي أنه حق فقد أضر بنفسه وبغيره .