Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 63-69)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبقوله : { وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ } [ الزخرف : 63 ] يشير إلى أن الأنبياء عليهم السلام كما يجيئون بالكتاب من عند الله يجيئون بالحكمة مما آتاهم الله كما قال تعالى : { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } [ البقرة : 151 ] ، وقال : { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [ البقرة : 269 ] ؛ ولهذا قال : { وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } [ الزخرف : 63 ] ؛ لأن البيان عما تختلفون هو الحكمة ، { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } [ الزخرف : 63 ] فإن طاعتي الحق كما قال : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] ، { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } [ الزخرف : 64 ] ؛ أي : لا تعبدوني فإن بالعبودية شريك معكم ، وإنه متفرد في ربوبيته إيانا ، { هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [ الزخرف : 64 ] أن نعبده جميعاً { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } [ الزخرف : 65 ] ؛ يعني : قومه تحزبوا عليه حزب آمنوا بأنه عبد الله ورسوله ، وحزب آمنوا بأنه { ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } [ المائدة : 73 ] فعبدوه بالإلهية ، وحزب اتخذوه ولداً لله وابناً له { تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا } [ النمل : 63 ] يقول الظالمون ، وحزب كفروا به وجحدوا نبوته ، وظلموا عليه وأرادوا قتله ، فقال تعالى فيهم : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } [ الزخرف : 65 ] ؛ أي : أليم عذابه ، { هَلْ يَنظُرُونَ } [ الزخرف : 66 ] ؛ أي : الذين تحزبوا عليه ، { إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ الزخرف : 66 ] بإتيانها ، فيجازي كل حزب بحسب أختلافهم فيه . ثم أخبر عن وصف الأخلاء والأصدقاء على المعصية في الدنيا بقوله تعالى : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] يشير إلى أن كل خلة وصداقة تكون في الدنيا مبنية على الهوى ، والطبيعة الإنسانية تكون في الآخرة عداوة يتبرأ بعضهم من بعض وبعض ، والأخلاء في الله خلتهم باقية إلى الأبد وينتفع بعضهم عن بعض ، ويشفع بعضهم في بعض ، ويتكلم بعضهم في شأن بعض ، وهم المتقون الذين استثناهم الله تعالى ، وشرائط الخلة في الله أن يكونوا متحابين في الله ، خالصة لوجه الله من غير شوب بعلة دنيوية هوائية متعاونين في طلب الله ولا يجري بينهم مداهنة ، فبقدر ما يرى بعضهم في بعض صدق الطلب والجد في الاجتهاد ليساعده ويرافقه ويعاونه ، فإذا علم منه شيئاً لا يرضاه الله لا يرضى من صاحبه ولا يدار به ، فقد قيل : المداراة في الطريقة كفر ؛ بل ينصحه بالرفق والموعظة الحسنة ، فإذا عاد إلى ما كان عليه وترك ما [ لا يرضي ربه ] يعود إلى صدق مودته وحسن صحبته كما قال تعالى : { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } [ الإسراء : 8 ] ، وبقوله : { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } [ الزخرف : 68 ] يشير إلى أن من أعتقه الله من رق المخلوقات ، واختصه بشرف عبوديته في الدنيا لا خوف عليه يوم القيامة من شيء يحجبه عن الله ، ولا يحزن على ما فاته من نعيم الدنيا والآخرة مع استغراقه في لجي بحر المعارف والعواطف ، ثم وصفهم وشرح سيرتهم فقال : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا } [ الزخرف : 69 ] ؛ أي : بأنوار شواهد تجلي آثار صفاتنا آمنوا إيماناً عيانياً { وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } [ الزخرف : 69 ] في البداية لأوامرنا ونواهينا في الظاهر ، وفي الوسط مسلمين لآداب الطريقة على وفق الشرع بتأديب أرباب الحقيقة في تبديل الأخلاق والتزكية في الباطن ، وفي النهاية مسلمين للأحكام الأزلية والتقديرات الإلهية ، وجريان الحكم ظاهراً وباطناً في الإخراج عن ظلمة الوجود المجازي إلى نور الوجود الحقيقي .