Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 57-62)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن مشكلهم في ضرب مثلهم بقوله تعالى : { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } [ الزخرف : 57 ] يشير إلى صدود نفس الإنسان وإعراضه عن الحق وجداله في الباطل ، كما أن كفار مكة بهذا الاختصاص ضربوا للنبي صلى الله عليه وسلم مثلاً بعيسى ابن مريم أنه كان يزعمك رسول الله ، وقد قلت : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] وهو عزير والملائكة قد عبدوا من دون الله فنحن نرضى بأن نكون نحن وألهتنا معهم في النار ، وليس لهم في الآية موضع الحجة ؛ لأنه تعالى قال : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] ولم يقل إنكم ومن تعبدون ، { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً } [ الزخرف : 58 ] وذلك إنهم قالوا : إن قال ألهتكم خير فقد أقر بأنها معبودة ، وإن قال : عيسى خير من ألهتكم فقد أقر بأن عيسى يصلح لأن يعبد ، وإن قال : ليس واحد منهم خيراً فد نفي عيسى خير من ألهتكم فقد أقر بأن عيسى يصلح لأن يعبد ، وإن قال : فراموا بهذا السؤال أن يجادلوه ولم يسألوه للاستفادة ، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم عنه أن عيسى خير من آلهتهم ولكن ليس يستحق أن يعبد ، وليس ما هو خير في الأصنام استحق أن يكون معبوداً من دون الله ، فبين الله تعالى أن جدالهم ليس لفائدة إنما هو في خصوصية نفس الإنسان فقال : { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } [ الزخرف : 58 ] ؛ أي : خلقوا على المخاصمة والمخالفة والمجادلة كما قال تعالى : { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } [ الكهف : 54 ] . وبقوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } [ الزخرف : 59 ] يشير إلى أن كل عبد ينعم عليه إما بجعله نبياً أو بجعله ولياً ، { وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الزخرف : 59 ] ؛ أي : عبرة يعتبرون به بأن يسارعوا في عبوديتنا طمعاً في أنعامنا عليهم ، { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً } [ الزخرف : 60 ] ؛ أي : إن أطعتمونا ننعم عليكم بأن نجعلكم متخلقين بأخلاق الملائكة ، { فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } [ الزخرف : 60 ] ؛ أي : ليكونوا خلفائي في الأرض بهذه الأخلاق لتستعدوا بها ، أن تتخلقوا بأخلاقي فإنها حقيقة الخلافة ، { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } [ الزخرف : 61 ] في نزول عيسى عليه السلام { فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا } [ الزخرف : 61 ] ؛ أي : فلا تشكوا بالساعة وقيامها { وَٱتَّبِعُونِ } [ الزخرف : 61 ] فإن في اتباعي قيام الساعة الحقيقة ، { هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [ الزخرف : 61 ] ؛ أي : من اتبعني في الحقيقة فقد قامت قيامته ، وقد عبر عن الصراط الحقيقي ، { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ } [ الزخرف : 62 ] متابعتي { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [ الزخرف : 62 ] ولما كانت العداوة في الضد عن صراط المتابعة فكان أعدى الأعداء النفس ؛ لأن تصرفها في الصد عن المتابعة أقوى من الشيطان .