Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 29-39)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبقوله : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ } [ الدخان : 29 ] ، يشير إلى أن سماء الأرواح وأرض الأشباح إنما تبكي على النفس وصفاتها ؛ إذ لم تستعد بتبدل الأخلاق ، ولم تفن في صفاته ، { وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } [ الدخان : 29 ] لنيل هذه السعادة العظمى . { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الدخان : 30 ] ؛ أي : القلب وصفاته { مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } [ الدخان : 30 ] ، الذي يصل إليهم { مِن فِرْعَوْنَ } النفس ، { إِنَّهُ كَانَ عَالِياً } [ الدخان : 31 ] ؛ أي : مرتبة علية { مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } [ الدخان : 31 ] ، الذين أسرفوا على أنفسهم بالظلم والعدوان ، { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ } [ الدخان : 32 ] من التقديرات الأزلية { عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } [ الدخان : 32 ] ، ولو لم يخترهم ما كان لهم الخيرة أن يكونوا غالبين على فرعون النفس وصفاتها ، { وَآتَيْنَاهُم } [ الدخان : 33 ] ؛ يعني : للقلب وصفاته { مِّنَ ٱلآيَاتِ } [ الدخان : 33 ] ؛ أي : التجليات { مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ } [ الدخان : 33 ] لهلاك فرعون النفس وصفاتها في الإفناء . ثم أخبر عن مقالة منكري الحشر والنشر بقوله تعالى : { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } [ الدخان : 34 - 35 ] ، يشير إلى أن من غلب عليه الحس ، ولم يكن له عين القلب مفتوحة ؛ ليطالع ببصر بصيرته عالم الغيب وهو الآخرة لا يؤمن إلا بما يريه بصر الجسد ؛ ولهذا أنكروا البعث والنشور ؛ إذ لم يكن لهم مشاهد إلا نظر حسهم ، وقال : { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا } [ الدخان : 36 ] ؛ أي : أحيوهم حتى نراهم بنظر الحس ونستخبر عنهم أحوالهم بعد الموت ، { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الدخان : 36 ] فيما تدعون من البعث . ثم هددهم بالهلاك فقال : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } [ الدخان : 37 ] ، وهو ملك اليمن ، وكانوا قوم فيهم كثرة وتبع كان مسلماً ، فأهلك الله قومه على كثرة عددهم وكمال قوتهم ، { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [ الدخان : 38 ] من الأمم { أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } [ الدخان : 38 ] مستحقين للهلاك . وبقوله : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } [ الدخان : 38 ] ، يشير إلى السماوات والأرض الأشباح ، وما بينهما من القلوب والأسرار والنفوس ، وإنها صدق درة المعرفة ، دليله قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] أي ليعرفون وهذا تحقيق قوله : { مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } [ الدخان : 39 ] ؛ أي : ما خلقناهما إلا مرآة قابلة لظهور صفات الحق ، كما قال : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [ فصلت : 53 ] . وبقوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الدخان : 39 ] ، يشير إلى أن مرآة قلب أكثرهم مكدرة بصدأ صفات البشرية ، وهم لا يعلمون أنهم مرآة لظهور صفاتها فيها .