Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 19-28)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهم أمانة الله ردوهم إلى : { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } [ الدخان : 19 ] ، بإهانة عباد الله واستحقاقهم ، { إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [ الدخان : 19 ] ، من المعجزات الظاهرة الباهرة القاهرة ، { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي } [ الدخان : 20 ] ، من شر نفسي { وَرَبِّكُمْ } [ الدخان : 20 ] ، من شر نفوسكم { أَن تَرْجُمُونِ } [ الدخان : 20 ] ، لشيء من الفتن . وفيه إشارة أخرى ، وهي : أن الله فتن فرعون وقومه ، وهم صفات النفس وجاءهم رسول كريم من الخواطر الرحمانية : { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ } [ الدخان : 18 ] ؛ أي : بني إسرائيل صفات القلب { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } [ الدخان : 18 ] عند الحق أؤدِّيهم إليه ، { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } بالاعتداء والاستكبار أنى أتيكم من الله سلطان مبين ، بدلائل وحجج واضحة وبراهين قاطعة من واردات ترد على القلوب ؛ فتعجز النفوس عن تكذيبها . وبقوله : { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } [ الدخان : 21 ] ، يشير إلى مداهنة الروح المسلم مع النفس الكافر ؛ وذلك بأن الروح العلوي يدعو النفس السفلية إلى عالم عبودية الله ومراتب قربه ، ومن طبيعة النفس الأمارة بالسوء أن تدعو الروح العلوي إلى العالم السفلي ، وتدارك البعد عن الحضرة ؛ فمن دأب أهل البدايات والمداهنة بين الروح والنفس على شرط أن الروح يقول مع النفس وصفاتها : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [ الكافرون : 1 - 6 ] ، إلى أوان غلبة الروح وصفاته على النفس وصفاتها ، فينزل فيه آية القتال جاهداً الكفار والمنافقين ، وأغلظ عليهم { فَدَعَا رَبَّهُ } [ الدخان : 22 ] ، بعد اليأس عن إيمان النفس وإصرارها على متابعة هواها { أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ } [ الدخان : 22 ] ؛ يعني : النفس وصفاتها { قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } [ الدخان : 22 ] ، مصرون على كفرهم ومتابعة هواهم ، فيلهم الله الروح أن أسر بعبادي ؛ فيمده بالسير من عالم البشرية إلى عالم الروحانية ، ومن عالم الروحانية إلى عالم الربانبة إلى أن يتخلق الروح بأخلاق الحق ، فلا بد للنفس بالتأييد الإلهي أن يتبع الروح عند استيلاء سلطان الحق عليه ، وهذا تحقيق قوله : { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } [ الدخان : 23 ] . { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ } [ الدخان : 24 ] بحر فضل الحق تعالى { رَهْواً } [ الدخان : 24 ] ، مشقوقاً بعصا الذكر ، { إِنَّهُمْ } [ الدخان : 24 ] ؛ يعني فرعون النفس وصفاتها { جُندٌ مُّغْرَقُونَ } [ الدخان : 24 ] فانين في بحر الوحدة ، { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ } [ الدخان : 25 ] ؛ أي : جنات الشهوات ، { وَعُيُونٍ } [ الدخان : 25 ] من مستلذات الحيوانية ، { وَزُرُوعٍ } [ الدخان : 26 ] في الآمال الفاسدة { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [ الدخان : 26 ] من المقامات الروحانية بعبورها عليها ، { وَنَعْمَةٍ } [ الدخان : 27 ] من تنعمات الدنيا والآخرة بالسير والإعراض عنها ، { كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } متنعمين . وبقوله : { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } [ الدخان : 28 ] ، يشير إلى أنه الصفات النفسانية وإن فنيت بتجلي الصفات الربانية ، فمهما يكون القالب باقياً بالحياة يتولد من الصفات النفسانية والحيوانية ، فيكون وارث تلك الصفات الفانية إلى أن تفنى هذه الصفات المتولدة بالتجلي أيضاً ، ولو لم تكن هذه المتولدات ما كان السائر الترقي ؛ فافهم جداً ، وبهذا الترقي يبرأ السائر على المقام الملكي ؛ لأنه ليس للملك ترقياً من مقامه ، كما قال : { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] .