Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 1-8)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ حـمۤ } [ الجاثية : 1 ] ، يشير بالحاء إلى حياته وبالميم إلى مودته ، كأنه قال : بحياتي ومودتي لأوليائي ، لا شيء أحب علي من لقاء أحبائي ، ولا أعز وأحب على أحبائي من لقائي ، { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ } [ الجاثية : 2 ] ؛ أي : هذا الكتاب تنزيل { مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } [ الجاثية : 2 ] ، على أوليائه وأحبائه . ثم أخبر : { إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الجاثية : 3 ] الصورية والمعنوية { لأيَٰتٍ } [ الجاثية : 3 ] ، شواهد الربوبية لائحة ، وأدلة الإلهية واضحة { لِّلْمُؤْمِنِينَ } [ الجاثية : 3 ] المحبين الذين صحا فكرتهم عن سكر الغفلة وجبت سيرهم في محال العبرة ، وصفاء قلبهم عن دنس البشرية ، وتجلي روحهم بإطلاق الربوبية ؛ فحظوا بحقائق الوصلة . وبقوله : { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ الجاثية : 4 ] ، يشير إلى أن العبد إذا أمعن نظره في حسن استعداده ظاهراً وباطناً ، وأنه خلق في أحسن تقويم يرى استواء قده وقامته وحسن صورته وسيرته واستكمال عقله وتمام تميزه ، وما هو مخصوص به في جوارحه وحوائجه ، ثم فكر فيما عداه من الدواب في أجزائها وأعضائها وأوصافها وطبائعها والتمييز والعلم ، ثم وقف على اختصاصه ، وامتياز بني آدم من بين البرية من الحيوانات في الفهم والعقل والتمييز والعلم ثم في الإيمان ، ومن الملائكة في حمل الأمانة ، وتعلم علم الأسماء ، ووجوه لخصائص أهل الصفوة من المكاشفات والمشاهدات والمعاينات والمخافيات وأنواع التجليات ، وما صار به الإنسان خليفة الله ومسجود ملائكته المقربين ، عرف تخصيصهم بمناقبهم وانفرادهم بفضائلهم ؛ فاستيقن أن الله كرمهم ، وعلى كثير من المخلوقات فضلهم ، وإنهم محمولو العناية في بر الملك وبحر الملكوت . وبقوله : { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ } [ الجاثية : 5 ] ، يشير إلى اختلاف ليل البشرية ونهار الروحانية ، وما أنزل الله تعالى من الواردات الربانية من سماء الأرواح ، ومن غيث الرحمة رزقاً للقلوب ؛ { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ } [ الجاثية : 5 ] أرض القلوب { بَعْدَ مَوْتِهَا } [ الجاثية : 5 ] ، عند استيلاء أوصاف البشرية عليها في أوان الولادة إلى حد البلاغة ، إذا كانت محرومة عن غداء تعيش به ، وهو أوامر الشريعة ونواهيها المودع فيها نور الإيمان ، الذي هو حياة القلوب ، { وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ } [ الجاثية : 5 ] ، وهي رياح نفحات الحق تعالى { ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ الجاثية : 5 ] ، التعرض لنفحات ألطاف الحق . وفيه إشارة أخرى : أن الله تعالى جعل العلوم الدينية كسبية مصححة بالدلائل ، وموهبية محققة بالشواهد ؛ فمن لم يستبصر بهما زلت قدمه عن الصراط ، ووقع في عذاب الجحيم ، فاليوم في ظلمة الحيرة والتقليد وفي الآخرة في الوعيد بالتخليد . وبقوله : { تَلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِ يُؤْمِنُونَ } [ الجاثية : 6 ] ، يشير إلى أن الإيمان الحقيقي لا يمكن حصوله في القلوب إلا بالله وكتابته في القلوب ، وبإراءته المؤمنين آياته ، وإلا فلا يحصل بالدلائل المنطقية ولا بالبراهين العقلية ؛ فافهم جدّاً . { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ } [ الجاثية : 7 ] مكذب { أَثِيمٍ } [ الجاثية : 7 ] معرض عن الحق ، { يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ } [ الجاثية : 8 ] ، في الظاهر ؛ إذ { تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ } [ الجاثية : 8 ] ، على الإنكار والجحود { مُسْتَكْبِراً } [ الجاثية : 8 ] ، عن قبول الحق ، يسمع الباطن { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } [ الجاثية : 8 ] ، فمن استمع باستماع الحق والفهم ، واستبصر بنور التوحيد فاز بذخر الدارين ، وتصدى لعز المنزلين ، ومن تصامم بحكم الخذلان والغفلة ؛ { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الجاثية : 8 ] بوقوعه في وهدة الجهل .