Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 9-13)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقد وسم بكي الهجران والقطيعة ، فآل أمره إلى أنه { وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً } [ الجاثية : 9 ] ، من عالم رباني { ٱتَّخَذَهَا هُزُواً } [ الجاثية : 9 ] ، قليل العناد وتأوله على ما نفع له من وجود المراد من دون تصحيح بإسناد ، فهؤلاء : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ الجاثية : 9 ] مذل ، وقد يكاشف حاله من بواطن قلبه بتعريفات من الغيب ، لا يبدو فيها ريب ولا يتخالجه منها شك فيما هو به في حاله ، فإذا استهان بها وقع في ذل الحجة وهوان الفرقة . { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ } [ الجاثية : 10 ] جهنم الحرص والأمل ، { وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ } [ الجاثية : 10 ] بالسوء وبالحرص { شَيْئاً } [ الجاثية : 10 ] ، القلوب { وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ } [ الجاثية : 10 ] من الدنيا وأهلها ، { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ الجاثية : 10 ] ، وهو هجران إله عظيم { هَـٰذَا هُدًى } [ الجاثية : 11 ] ؛ أي : هذا الذي ذكرنا من الآيات والدلالات والإشارات وأسباب الهداية لمن أراد الله به خيراً يسمعهم ، { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ } [ الجاثية : 11 ] أن أعرضوا عنها وأنكروا عليها ، { لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ } [ الجاثية : 11 ] ، وهو نظر قهر الحق بالقطيعة ، وهو { أَلِيمٌ } [ الجاثية : 11 ] مؤلم حقاً . ثم أخبر عن كرمه مع العبد بأنواع نعمه بقوله تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ } [ الجاثية : 12 ] ، يشير إلى أنه تعالى مسخر بحر العدم ؛ لتجري فيه فلك الوجود بأمره ، وهو أمر { كُنْ } [ البقرة : 117 ] ، والحكمة في هذا التسخير مختصة بالإنسان لا بالفلك ، سخر البحر والفلك له وسخره لنفسه ؛ ليكون خليفة مظهراً لذاته وصفاته تبارك وتعالى نعمة منه وفضلاً ؛ لإظهار الكنز المخفي ، فبحسب كل مسخر من الجزيئات والكليات يجب على العبد شكر ، وشكره أن يستعمله في طلب الله بأمره ولا يستعمله في هوى نفسه ، وله أن يعتبر من البحر الصوري ، والذين يركبون البحر فربما تسلم سفينتهم وربما تغرق ، كذلك العبد في فلك الاعتصام في بحار التقدير ، تمشي بهم رياح المشيئة ، مرفوع لهم شراع التوكل من شيء في البحر بمجرى اليقين ، فإن هبت رياح العناية تحث السفينة إلى ساحل السعادة ، وإن هبت نكباء الفتنة لم يبق بيد الملاح شيء غرقت في لجة الشقاوة ، فعلى العبد أن يكون ابتغاؤه فضل الله ، ويسعى في الطلب بأداء شكر النعم ، وذلك قوله : { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ الجاثية : 12 ] . وبقوله : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } [ الجاثية : 13 ] ، يشير إلى أن السماوات والأرض وما فيهن خلقت للإنسان ، ووجودها تبع لوجوده ، وناهيك عن هذا المعنى إن الله تعالى أسجد ملائكته لآدم عليه السلام ، وهذا غاية التسخير وهم أكرم وأعز مما في السماوات والأرض ، ومثال هذا أنه لما أراد أن يخلق ثمرة خلق شجرة ، وسخرها للثمرة لتحمل ، فالعالم بما فيه شجرة وثمرتها الإنسان ؛ ولعظم هذا المعنى قال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ الجاثية : 13 ] ؛ أي : في هذا المعنى دلالات على شرف الإنسان ، وكماليته { لِّقَوْمٍ } لهم قلوب منورة بنور الإيمان والعرفان ، { يَتَفَكَّرُونَ } بفكر سليم .