Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 32-35)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأحقاف : 32 ] ؛ أي : ومن لم يبدل أخلاقه بترك الدنيا والرغبة في الآخرة والتوجه إلى الله ، فليس الله بعاجز في إخراجه من الدنيا { وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ } [ الأحقاف : 32 ] لينقذوه من النار ، { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ الأحقاف : 32 ] ، ومأوى أهل الضلال السعير . ثم أخبر عن قدرة إحياء الموتى هدى لأهل النهي بقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ الأحقاف : 33 ] ، يشير إلى سماوات القلوب { وَٱلأَرْضَ } [ الأحقاف : 33 ] ، أرض النفوس ، { وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } [ الأحقاف : 33 ] ، فيه إشارة إلى أن الله تعالى خلق سماوات القلوب حية بحياة روحانية ، لكنها ميتة من حياة ربانية ، وليس لشيء غير الإنسان هذه الكرامة أن يحيه الله بالنور الرباني ، كما قال تعالى : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [ الأنعام : 122 ] ، { بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ } [ الأحقاف : 33 - 34 ] ، يقال لهم على سبيل تأكيد إلزام الحجة { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [ الأحقاف : 34 ] ؛ أي : العذاب الذي كنتم به معذبين في البعد والقطيعة وإفساد الاستعداد الأصلي لقبول الكمالات وبلوغ القرب ، ولكن ما كنتم تذوقون مرارة ذلك العذاب وحرقته ؛ لغلبة الحواس الظاهرة وكلالة الحواس الباطنة { بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } [ الأحقاف : 34 ] ، تسترون الحق بالباطل . وبقوله : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 35 ] ، يشير إلى صبر من كان قصده وعزمه إلى الله ، فيصبر عما سواه ما يحجبه عن الله ، ويصير على مقاساة ما يوصله إلى الله كما قيل لبعضهم بما وجدت ما وجدت قال : بعزيمة كعزيمة الرجال ، وأولوا العزم من لا يكون في عزمه مسخ ولا في طلبه نسخ ، ثم قال : { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } [ الأحقاف : 35 ] ؛ أي : العذاب ومهلهم ؛ لتستعدوا بالتمتعات الحيوانية للعذاب العظيم ، فإني أمهلهم رويداً { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ } [ الأحقاف : 35 ] من ذوق العذاب { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ } [ الأحقاف : 35 ] في التمتع بنعيم الدنيا { إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } [ الأحقاف : 35 ] ؛ لشدة ألم العذاب الروحاني بالنسبة إلى التنعم الجسماني ، ثم قال : { بَلاَغٌ } [ الأحقاف : 35 ] ، إن هذه الإشارة بلاغ من الله إلى أهل الله وطالبيه ، فإن العبد يضرب بالعصا والحر تكفيه الإشارة { فَهَلْ يُهْلَكُ } [ الأحقاف : 35 ] على الله { إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ الأحقاف : 35 ] ، الذين خرجوا من عزم طلبه إلى طلب ما سواه .