Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 6-9)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ } [ الفتح : 6 ] بذل الحجاب وسوء العقاب في الدارين ، { ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ } [ الفتح : 6 ] في ذاته وصفاته بالأهواء والبدع ، وفي أفعاله وأحكامه بالظلم والبعث ، { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } [ الفتح : 6 ] ؛ أي : عاقبه بالمساءة فيما اعتقده { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } [ الفتح : 6 ] ؛ وغضبه : إرادته العقوبة لهم في الآخرة ، وكون الشرك والنفاق في الدنيا ، { وَلَعَنَهُمْ } [ الفتح : 6 ] ، بعدهم من فضله حق فيهم كلمته ، وسبقت من الله بالشقاوة قسمة ، كما قال : { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } [ الفتح : 6 ] . { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الفتح : 7 ] ، به يشير إلى ما أعد الله من عظائم فضله ، وعجائب صنعه في سماوات القلوب وأرض النفوس ، يمد بها أولياءه وينصرهم بها على أنفسهم ؛ ليفوزوا بكمال قربه ، ويخذل به أعداءه ويهلكهم في أودية الأهوية ؛ ليصيروا إلى كمال بعده ، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً } [ الفتح : 7 ] بذل أعدائه ، { حَكِيماً } [ الفتح : 7 ] فيما يعز أولياءه . ثم أخبر عن سر الرسالة إلى أهل الضلالة بقوله تعالى : { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً } [ الفتح : 8 ] ، يشير إلى أنه لما كان أول مخلوق خلقه الله تعالى كان شاهداً بوحدانية الحق تعالى وربوبيته ، وشاهداً بما أخرج من العدم إلى الوجود من الأرواح والنفوس والأجرام والأركان والأجسام والمعادن والنبات والحيوان والملك والجن والشيطان والإنسان ، وكل ما دب فيه روح ؛ لئلا يشذ عنه مما يمكن للمخلوق دركه من أسرار أفعاله ، وعجائب صنعه ، وغرائب قدره بحيث لا يشاركه فيه غيره ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " علمت ما كان وما سيكون " ؛ لأنه شاهد الكل وما غاب لحظة ، وشاهد خلق آدم عليه السلام ولأجله قال صلى الله عليه وسلم : " كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد ، أو كنت مخلوقاً وعالماً بأني نبي وحكم لي بالنبوة وآدم بين أن يخلق له روح ثم يخلق له جسد ولم يخلق بعد " . واحد منهما شاهد : وأما ما جرى عليه في امتناع السجود لآدم من : الإكرام ، والإخراج من الجنة بسبب المخالفة ، وما تاب الله عليه … إلى آخر ما جرى عليه . وشاهد : خلق إبليس ، وما جرى عليه من : امتناع السجود لآدم ، والطرد واللعن بعد طول عبادته ووفور علمه بمخالفة أمر واحد ، فحصل له بكل حادثة جرت على الأنبياء والرسل والأمم فهوم وعلوم ، فلما تحصل لروحه ما أمكنه حصوله من كمال العلم ، والحال لكمال الربوبية الإلهية في عالم الأرواح ، أراد أن يزداد نوراً على نور ، وأن يحصل كمالاً على كمال إنزال روحه في قالبه على وجه المعروف ، بعدما شرفه وفضله أقصى ما يمكن من الإكرام ، ثم رباه بلبان العناية في حجر الهداية ، إلى أن أرسله إلى الأحمر والأسود { شَٰهِداً وَمُبَشِّراً } [ الفتح : 8 ] ، يبشر أمته أن لهم في متابعة الرتبة المحجوبة ، التي هي مخصوصة به من بين سائر الأنبياء والمرسلين - عليهم السلام - { وَنَذِيراً } [ الفتح : 8 ] لهم ؛ لئلا ينقطعوا عنا شيئاً من الدارين . { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ } [ الفتح : 9 ] إيماناً حقيقياً يوجب صدق الطلب { وَرَسُولِهِ } [ الفتح : 9 ] ، إيماناً يوجب متابعته بالشرط ، { وَتُعَزِّرُوهُ } [ الفتح : 9 ] وتعينوه بصدق الطلب في المتابعة ؛ لتبلغوا مقام المحبوبية ، { وَتُوَقِّرُوهُ } [ الفتح : 9 ] ؛ أي : تعظموه ؛ فإن بالتعبد أن يصل العبد إلى الجنة ، وبالتعظيم يصل إلى الله ، وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره بإتباع سنته في الظاهر والباطن ، والعلم بأنه زبدة الوجودات وخلاصتها ، وهو المحبوب الأزلي وما سواه تبع له . وبقوله : { وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الفتح : 9 ] ، يشير إلى استغراق جميع الأوقات بالعبودية على وصف تنزيه الحق تعالى وغناه عن العالمين ، ويرى العبد كل خير وطاعة يصدر منه أنه نعمة من نعيم ربه أنعم به عليه .