Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 48-50)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن حال النبي صلى الله عليه وسلم وكتابه وما أشار إليه من خطابه بقوله تعالى : { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } [ المائدة : 48 ] ، إشارة إن الله تعالى خصص حبيبه صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأنبياء - عليهم السلام - بإنزال الكتب إليه بالحقيقة كما قال تعالى : { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } [ المائدة : 48 ] ، أي : بالحقيقة وذلك لأنه أنزله على قلبه وأنزل الكتب على الأنبياء في الألواح والصحف ، وبينه وبينهم بون بعيد وفرق عظيم ، فإن ما أنزل على القلب يكون صاحب القلب مخصوصاً به من سائر الخلق بخلقه ، فلهذا كان خلقه القرآن ، وما أنزل في الألواح والصحف يستوي فيه الخواص والعوام في التخلق بخلقه بإثمار الأوامر وانتهاء النواهي : { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } [ المائدة : 48 ] ؛ أي : يصدق الكتب المنزلة قبله تصديقاً حقيقياً عيانياً لا بيانياً بحيث يشاهد قلب المنزل إليه بنور حقائق جميع الكتب ومعانيها وأسرارها ، فيشهدوا على صدقها وحقيقتها بخلاف ما أنزل في الألواح والصحف ، فإن الألواح والصحف لا ينشأ حقيقتها ولا تشهد على صدقها وحقيقتها { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } [ المائدة : 48 ] ، أي : فأقم بالله أحكام الدين بنوره الكتب بينهم بما أنزل الله على قلبك أو اعتنق ملازمة الحقوق بترك ملازمة الحظوظ { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ } [ المائدة : 48 ] ، أي : لا تستملك إلى هويتهم الفاسدة حرام الجنسية ومكارم الأنسية ، فيلهيكم عما جاءك من الحق بالعيان من حقائق القرآن وأنواره وحقيقة الفرقان وأسراره { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ } [ المائدة : 48 ] ، معاشر الأنبياء { شِرْعَةً } [ المائدة : 48 ] ، يشرع فيها بالبيان { وَمِنْهَاجاً } [ المائدة : 48 ] ، يسلك فيه بالعيان { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ المائدة : 48 ] ، أي : جعل أممكم أمة واحدة تهتدي بالبيان إلى البيان { وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ } [ المائدة : 48 ] ؛ يعني : الأمم { فِي مَآ آتَاكُم } [ المائدة : 48 ] ، من البيان والتبيان والحجج والبرهان والعزة والسلطان وابتلاكم بزينة الدنيا واتباع الهوى ونيل المنى والرفعة بين الورى والنجاة في العقبى ؛ ليهتدي التائبون بالبيان والتبيان ويقتدي العالمون بالحجة والبرهان ، ويجذب العارفون بالعزة والسلطان بل يقصدون الزاهدون برضا الدنيا ، ويقدم العابدون بنهي الهوى ويسلك المشتاقون بنفي المنى ، ويجذب العارفون بترك الورى ، ويسلب الواصلون بالسلو عن الدنيا والعقبى { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } [ المائدة : 48 ] ، ببذل الموجود ، وسارعوا إلى القربات بفقد الوجود { إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } [ المائدة : 48 ] ، إما بالاختيار بعدم الصدق في الإفناء لنيل المرام في عالم البقاء ، وإما بالاضطرار عند حلول الآجال بعد الفناء لويل الملام يوم اللقاء { فَيُنَبِّئُكُم } [ المائدة : 48 ] ، بنتائج الأعمال وثمرات الأحوال { بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [ المائدة : 48 ] ، من المقاصد والمطالب والمشارب . { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } [ المائدة : 49 ] ، قم بالله فيما يحكم وأقم حقوقه فيما تقدم وتؤخر ، ولا تلاحظ الأغيار فيما تؤثر ، وتغتر فإن الكل يحق في التحقيق { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } [ المائدة : 49 ] ، بالإعراض عن الحق { وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ } [ المائدة : 49 ] ، بالتصريف { عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } [ المائدة : 49 ] ، من الحقوق بشواهد الحق { فَإِن تَوَلَّوْاْ } [ المائدة : 49 ] ، عن الحق وأبوا قبوله { فَٱعْلَمْ } [ المائدة : 49 ] ، بمطالعة القضاء { أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ } [ المائدة : 49 ] ، في الحكم المقدر { أَن يُصِيبَهُم } [ المائدة : 49 ] ، مصيبة الإعراض { بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } [ المائدة : 49 ] ، وهو الاعتراض لأن الحق سبحانه يلزمهم التكليف ويقدمهم ويؤخرهم بعين التصرف ، فالتكليف فيما أوجب والتصريف فيما أوجد والعبرة بالإيجاد لا بالإيجاب { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ } [ المائدة : 49 ] ، الخارجون عن جذبات العناية ولخطاب الهداية . { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } [ المائدة : 50 ] ، يطلبون منك أن تجد عن الحجة المثلى بعدما طلعته شموس الدين ، وسقطت براهين اليقين واستنار القلب بأنوار الغيب وانتهكت أستار الترتيب { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ المائدة : 50 ] ، لا أحداً يحكم لأهل الإيقان بحقائق الفرقان من أحسن الرحمن .