Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 45-47)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن إنزال الأحكام على الخواص بقوله تعالى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } [ المائدة : 45 ] ، الإشارة إن الله تعالى جعل المساواة بين النفوس في القصاص كما جعلها بين الأرواح والأعضاء ، فقال تعالى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } ، كما قاله تعالى : { وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } [ المائدة : 45 ] ؛ ليتحققوا بالتساوي وفي الاستعداد الإنساني لقبول الفيض الرباني في طلب الكمال والبلوغ إلى ذروة الوصال ، وأنه تعالى قد كرم بني آدم بنيل هذه الكرامة ، وعنهم باختصاص هذه السعادة فقال : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ } [ الإسراء : 70 ] ، وإنما التقصير والتواني وقع من قبل الإنسان في طلب الكمال بترك الاجتهاد ، فإن المجاهدات تورث المشاهدات ، كما قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت : 69 ] ، وقد جاء في بعض الكتب المنزلة " من طلبني وجدني " ، والذي يؤيد هذا المعنى قوله تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [ الشمس : 7 - 10 ] ، فأظهر الله من تقي في حضيض النقصان بقي لترك التزكية بالخذلان ، وإن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة وقال : " من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً " ، وفيه معنى آخر وهو كما أن في إهلاك النفس بهلاك النفر المهلك ، وفي إتلاف العضو المثلث كذلك إحياء نفس الطالب بحياة الدين حياة نفس محييها وفي معالجة عين قلبه وأنف قلبه وسن قلبه علاج معالجة وبمزيد الإدراك في هذه الأشياء المذكورة { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ } [ المائدة : 45 ] ، أي : بهذه الإحياء والمعالجة { فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } [ المائدة : 45 ] ، على نفسه فيما فرط في إحياء نفسه ومعالجة قلبه طرفة عين { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ } [ المائدة : 45 ] ، وفي تزكيتها عن الأوصاف الذميمة وتجليها بالأخلاق الحميدة على قانون الشريعة بتربية أرباب الطريقة للوصول إلى الحقيقة { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [ المائدة : 45 ] ، فقد ظلموا أنفسهم بترك التربية ؛ إذ وضعوا متابعة الحظوظ في موضع ملازمة الحقوق . { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } [ المائدة : 46 ] ، أي : اتقاء الأنبياء بعضهم بعضاً ، فأنزلنا الكتب بعضها مصدقاً لبعض ومفرداً له ؛ لبيان الدين القويم والهداية إلى صراط مستقيم والرجوع إلى رب العالمين لأرباب اليقين من المتقين { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ } [ المائدة : 47 ] ، وكذلك أهل كتاب كل كتاب في سلوك الطريق { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } [ المائدة : 47 ] ، من أهل كل كتاب { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ المائدة : 47 ] ، الخارجون عن الصراط المستقيم فضلوا عن طريق الحق ، وذلوا بالباطل .