Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 58-63)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن استهزائهم عند الصلاة ، وندائهم بقوله تعالى : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً } [ المائدة : 58 ] ، إشارة أن الله تعالى أخبر عن أهل الغفلة والسلو المحجوبين بأستار العزة عن أحوال العزة والمحبة ، فقال : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ } ؛ أي : دعوتموهم إلى محل القرب والنجوى ، اتخذوها هزوا ولعباً لجهالتهم بأحوالها وضلالتهم عن عرفان كمالها { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } [ المائدة : 58 ] ؛ أي : لا تدرك عقولهم الفاسدة بالوهم والخيال لذاذة شهود ذلك الجمال والجلال ، فإنها بمعزل عن تلك الأحوال لاهية عن درك الوصول والوصال { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } [ المائدة : 59 ] ، إشارة إلى أهل العلوم الظاهرة من أهل السلو { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ } [ المائدة : 59 ] ، تنكرون علينا وتحسدوننا وتعيروننا وتؤذوننا { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } [ المائدة : 59 ] ، إلا بأن آمنتم بإيمان تقليدي بياني ، وآمناً بالله وبأنوار هدايته إيماناً حقيقياً عيانياً { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا } [ المائدة : 59 ] ، من الواردات الربانية والعلوم اللدنية { وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ } [ المائدة : 59 ] ، على الأنبياء من الكتب الإلهية بكشف حقائقها ومعانيها ، ورشق دقائقها ومبانيها { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } [ المائدة : 59 ] ، خارجون عن الصراط المستقيم من طلب الحق إلى طلب الدنيا وشهواتها ، والرضا على جميع أموالها وطلب رياستها ، ثم أخبر عمن هو بِشَرِّ حاله . وروى خصاله بقوله تعالى : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ } [ المائدة : 60 ] ، الإشارة أن الله تعالى جعل لإظهار قهره بعض الجواهر الإنسانية المستعدة لقبول فيض صفة اللطف من الرحمانية والمحبة الربانية ؛ مستحقاً لقبول فيض صفة القهر من الطرد واللعن والغضب ، ينزله أحسن المنازل ، ويبعده عن نعت الأخيار الفواضل ، وليسكنه حضيض الأشرار الأرازل ، مخذولاً عن صراط سوى الطريقة ، محجوباً عن شهود الحقيقة ، قال الله تعالى : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [ المائدة : 60 ] ، ثم قال تعالى : { وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ } [ المائدة : 60 ] ؛ أي : جعل صفة القردية والخنزيرية وعبد الطاغوت من بعض أفاعيلهم { أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } [ المائدة : 60 ] ؛ يعني : من هؤلاء { وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [ المائدة : 60 ] ؛ أي : عن طريق الحق المعني أن القردة والخنازير ، وإن كانت ضالة عن طريق الحق بعدم الاستعداد وهؤلاء الذين كانوا مستعدين لسلوك سبيل الحق والوصول إليه ، ثم مكاناً منهم كما قال تعالى : { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } [ الأنفال : 22 ] ، وأضل الأبطال استعداد الوصول كما قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [ الأعراف : 179 ] ، وذلك لأن من أعمالهم أنهم { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا } [ المائدة : 61 ] ، بالنفاق { وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ } [ المائدة : 61 ] ، لا بالإيمان { وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } [ المائدة : 61 ] ؛ أي : الكفر وليس هذا النفاق من شأن القردة والخنازير ، فيقدم النفاق الكفر نزلوا إلى أحسن التنازل وصاروا أشر الأرازل { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } [ المائدة : 61 ] ؛ أي : يخفون من رزائل الأخلاق وخبائث الأعراق { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ } [ المائدة : 62 ] ، من هذه الطائفة { يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ } [ المائدة : 62 ] ؛ أي : يسعون بجذب عظيم في طلب الدنيا ولذاتها وشهواتها { وَٱلْعُدْوَانِ } [ المائدة : 62 ] ، إلى مخالفة الأوامر وتتبع النواهي { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } [ المائدة : 62 ] ؛ أي : إطماعهم فيما سوى الله وإعراضهم عن الحق { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ المائدة : 62 ] ؛ لأنهم بهذه الأقدام ينزلون إلى أسفل السافلين { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ } [ المائدة : 63 ] وهم المشايخ الواصلون من أهل التربية بتسليكهم إياهم إن كانوا مستسلمين قابلي التصرف { وَٱلأَحْبَارُ } [ المائدة : 63 ] ، علم العلماء المتقون يدعوهم إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة { عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ } [ المائدة : 63 ] ، في طلب الدنيا وما فيها { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } [ المائدة : 63 ] ، فهو كل شيء غير الحق { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ المائدة : 63 ] ، المشايخ والعلماء في ترك النصيحة " وإنما الدين النصيحة " ولولا حقيقة هذا المعنى في التوبيخ لما اشتغل أهل الله المحققون بدعوة الخلق ، وتربيتهم لاستغرابهم في مشاهدة الحق ، ومؤانستهم به .