Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 90-91)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن الاجتناب عن الخمر والميسر والأزلام والأنصاب بقوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [ المائدة : 90 ] ، إشارة أن الله تعالى أخبر عباده المؤمنين عن الأعمال التي يوسوسهم بها الشيطان ويضلهم عن طريق الهدى ويهلكهم بمتابعة الهوى ، وإن النجاة والفلاح في اجتنابها فقال تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ المائدة : 90 ] إيماناً حقيقياً مستفاداً من كتابة الحق بقلم العناية في قلوبهم { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [ المائدة : 90 ] . { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ } فلأنها تخمر العقل وهو نور روحاني علو من أوليات المخلوقات ومن طبعه الطاعة والانقياد والتواضع لربه كالملك وضده الهوى ، وهو طلمة نفسانية سفلية من أخريات المخلوقات من طبعه التمرد والمخالفة والآباء والاستكبار عن عبادة ربه كالشيطان ، فإذا خمر الخمر نور العقل يكون العقل مغلوباً لا يهتدي إلى الحق وطريقه ، ثم يغلب ظلمة الهوى فتكون النفس أمارة بالسوء وتستمد من الهوى فيتبع بالهوى السلفي جميع شهواتها النفسانية مستلذاتها الحيوانية السفلية ، فيظفر بها الشيطان فيوقعها في مهالك المخالفات كلها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " الخمر أم الخبائث " لأن هذه الخبائث كلها تولدت منها . وأما الميسر فإنه فيه تهيج أكثر الصفات الذميمة مثل الحرص والبخل والكبر والغضب والعداوة والبغض والحقد والحسد وأشباهها وبها يضل العبد عن سوء السبيل . وأما الأنصاب فهي تعبد من دون الله فيها يصير العبد مشركاً بالله . وأما الأزلام ما يلتفت إليه عند توقع الخير والشر والنفع والضر من دون الله وأنها من المضلات ، فإن الله هو الضار النافع ، ثم قال تعالى : { رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [ المائدة : 90 ] ؛ يعني : هذه الأشياء أحب شيء من أعمال الشيطان التي يغوي بها العبد ويضلهم عن صراط الحق وطريق الرشاد ، ثم قال تعالى : { فَٱجْتَنِبُوهُ } [ المائدة : 90 ] ، يعني : اجتنبوا الشيطان ولا تقبلوا وساوسه واتركوا هذه الأعمال الخبيثة { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ المائدة : 90 ] ، تخلصون من مكائد الشيطان وجنابة هذه الأعمال آفاتها ومحنها وتظفرون بالقربات والمواصلات { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ } [ المائدة : 91 ] ، والصفات الذميمة التي ذكرناها { فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [ المائدة : 91 ] ، كما ذكرناها { وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ المائدة : 91 ] ؛ يعني : عن شهود قلوبكم مع الله تعالى { وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ } [ المائدة : 91 ] ؛ يعني : لذة المناجاة مع الله تعالى وعروج الأرواح إلى الله فإن الصلاة معراج المؤمن { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] ؛ أي : فاتركوا هذه المعاملات التي من عمل الشيطان لتفوزوا بمواصلات الرحمن في نعيم الجنان .