Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 16-23)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ } [ ق : 16 ] قبل خلقه ، مثل بعد خلقه { مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } [ ق : 16 ] من شهوات بطلب استيفائها ، وتصنع مع الخلق ، أو سوء خلق ، أو اعتقاد فاسد ، وغير ذلك من أوصاف النفس ، يوسوس بذلك ليشوش عليه قلبه ووقته ، وكيف لا يعلم وكل ذلك مما خلقناه فيه وقدرنا له فعله ؟ ! { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] ، أقرب أجزاء نفسه إلى نفسه ، يشير به إلى أنه تعالى أقرب إلى العبد من نفس العبد إلى العبد ، فكما أنه كل وقت يطلب نفسه يجدها ؛ لأنها قريبة منه ، فكذلك كل وقت طلب الله وجده ؛ لأنه قريب منه ، كما قال : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [ البقرة : 186 ] ، وقال : " ألا من طلبني وجدني " . وبقوله : { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } [ ق : 17 ] ، يشير إلى أن من لم يعرف قدر قربي إليه ، ويكون بعيداً مني بخصاله الذميمة وأفعاله الردية ، ولم يرضَ بأني أكون رقيبه . وأوكل عليه رقيبين { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] ، يكتب بقلم حركاته ومداد لدنيته على صحيفة قلبه ، فإن كانت حركاته شرعية ملكية ونيته خالصة ربانية ؛ فتجيء كتابته نورانية روحانية ، وإن كانت حركاته طبيعية حيوانية ونيته هوائية شهوانية ؛ فتجيء كتابته ظلمانية نفسانية ، فمن هاهنا تبيض وجوه وتسود وجوه . وفيه أيضاً إشارة إلى كمال عنايته في حق عباده ؛ إذ جعل على كل واحد رقيبين من الملائكة المقربين ؛ ليحفظوه بالليل والنهار إذا كان ماشياً فواحد بين يديه وواحد خلفه ، ويقال : هما اثنان بالليل لكل أحد واثنان بالنهار ، ويقال : بل الذي يكتب الخيرات كل يوم آخر ، والذي يكتب الشر والذلة كل يوم هو الذي كان بالأمس ؛ لتكثر شهود الطاعة غداً ويقل شهود المعصية ، وبقاء الذي يكتب المعصية كل يوم اثنان آخران وكل ليلة اثنان آخران ؛ لئلا يعلم في مساوئك إلا القليل منهم ، فيكون علم المعاصي متفرقاً فيهم . { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } [ ق : 19 ] ، إذا أشرقت النفس على الخروج من الدنيا ، فأحوالهم تختلف ؛ فمنهم : من يزداد في ذلك الوقت خوفه ولا تتبين إلا عند ذهاب الروح حاله ، ومنهم : من يكاشف قبل خروجه ، فيسكن روعه ويحفظ عليه قلبه ، ويتم له حضوره وتميزه ؛ فيسلم الروح على مهل من غير استكراه وعبوس ، ومنهم : وفي معناه يقول بعضهم : @ أنا إن مت فالهوى حشو قلبي وبداء الهوى يموت الكرام @@ ثم قال : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } [ ق : 20 ] ، لكل نفس أوعدها الله بحسب سيرها من أول الفطرة إلى يوم البعث ، { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } [ ق : 21 ] ؛ أي : الذي ساقها من مبدأ الوجود أما سوقاً باللطف وأما سوقاً بالبيت قوله : " هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي ولا أبالي " شهيد من شواهد الحق ؛ ليجري عليها من الأحكام الأزلية . وبقوله : { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ ق : 22 ] . يشير إلى أن الإنسان وإن خلق من عالمي الغيب والشهادة ، فالغالب عليه في البداية الشهادة وهي العالم الحسي ، فيرى بالحواس الظاهرة عالم المحسوس مع اختلاف أجناسه ، وهو بمعزل عن إدراك عالم الغيب ، فمن الناس : من يكشف الله غطاءه عن بصر بصيرته ؛ فيجعل بصره حديداً ، يبصر رشده ويحذر شره لهم المؤمنون من أهل السعادة . ومنهم : من يكشف الله غطاءه عن بصر بصيرته يوم القيامة ، يوم { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ … } [ الأنعام : 158 ] الآية ، وهم الكفار من أهل الشقاوة { وَقَالَ قَرِينُهُ } [ ق : 23 ] وهو سائقه ، { هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } [ ق : 23 ] ، معد لك في الأزل .