Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 52, Ayat: 1-15)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } [ الطور : 1 - 2 ] ، يشير إلى طور النفس الذي كلم الله عليه موسى القلب ؛ لشرف استماع كلام الحق عليه صار محل القسم ، فأقسم الله به وبكتاب كتبه الله تعالى { فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ } [ الطور : 3 ] ؛ أي : في قلوب منسوبة إلى الرقة يدل عليه قوله : { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [ المجادلة : 22 ] . { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } [ الطور : 4 ] ، وهو سر قلوب العارفين معمور بأسرار الحق تعالى ، { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } [ الطور : 5 ] ، وهو الروح المرفوع درجاته إلى الحضرة ، وهو سقف بيت الغلبة . { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [ الطور : 6 ] ؛ أي : بحر قلب سُجر بنار المحبة ما قسم لعزة هذه الأشياء ، { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } [ الطور : 7 ] ؛ أي : العذاب لأهل العذاب واقع بالنقد ؛ لأن أشد العذاب ذل الحجاب كان من دعاء سري السقطى : اللهم مهما عذبتني فلا تعذبني بذل الحجاب والحجاب واقع ؛ فإن أعظم الحجاب حجاب النفس { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [ الطور : 8 ] من قبل العبد ؛ بل دافع حجاب النفس وهو رحمة الله تعالى ، كما قال تعالى : { ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي } [ يوسف : 53 ] . وبقوله : { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } [ الطور : 9 ] ، يشير إلى سماء القلب ومورة توجهه للحق تعالى بصدق الطلب ، { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ } [ الطور : 10 ] جبال النفس { سَيْراً } [ الطور : 10 ] إلى عالم القلب ، ومنه إلى عالم الأرواح ، ومنه بجذبة : { ٱرْجِعِي } [ الفجر : 28 ] إلى حضرة الربوبية ، { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ } [ الطور : 11 ] حين ظفر الطالب بالمطلوب ، ووصل المحب إلى المحبوب ، { لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ الطور : 11 ] بهذا الحديث ، من ينزل الحسرات الموقدة التي قطعت على الأفئدة من فوات هذه السعادة العظمى ، والحرمان عن ما وعدناكم من عذاب خوضكم في الدنيا ، ولعبكم بها من الغفلة ونيران الحسرات [ والزفرات ] { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ } [ الطور : 12 ] الدنيا وشهواتها وزخارفها { يَلْعَبُونَ } [ الطور : 12 ] . { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [ الطور : 13 ] دعاء لا خلاص منها ولا رجوع ، يناديهم عزة الحق تعالى : { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا } [ الطور : 14 - 15 ] ؛ يعني الذي { أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } [ الطور : 15 ] حقائق هذه المعاني . تفسير عين الحياة . اعلم يا طالب النور على الطور والعلم في الكتاب المسطور ، والحكمة على الرق المنشور ، والحقيقة في البيت المعمور ، والحق على السقف المرفوع ، وسر الباطن في البحر المسجور ، أن هذه لطائف أودعها الله في وجودك ؛ لتعرف أسرارها ، ويحصل لك بها السرور والحبور في القبور ، ويتنعم بتلك اللطائف بعد النشور في مرر الحور ، المنكبة على أريكة المعرفة فوق القصور ، ويتقن بأن قالبك هو الطور ، وسرك هو الكتاب المسطور ، وقلبك هو الرق المنشور ، وروحك هو البيت المعمور ، وصفتك هي السقف المرفوع ، ونفسك هي البحر المسجور في عالم الأنفس . والله تعالى أقسم بما في الآفاق ، كما فسره المفسرون بقوله تعالى : { وَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ * وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ * وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ * وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [ الطور : 1 - 6 ] ، وعالم الآفاق ملك عالم الأنفس مظهر لصفة باطنية الحق ، كما أن عالم الآفاق مظهر لصفة ظاهرية الحق تعالى ، وهو تعالى عالم الغيب والشهادة ، ويجوز أن يقسم بمظاهر ظاهريته وباطنيته ، ولكن الطور الآفاقي لا يتعلق بك ، وكل ما هو كائن في الآفاق إذا أخرجت من عالم بَذْلِك الآفاقي بقي في عالمه ، ويكون بينك وبين ما فيه بعد المشرقين ؛ فاطلب طوراً يكون معك بعد خروجك من عالم الآفاق ، وهو طور قالبك الباقي بعد الحشر معك إما متنعماً في الجنة وإما متألماً في النار ، واجتهد اليوم أن تجعله نوراً لا ظلمانياً ؛ ليكون قبرك منوراً لا مظلماً مكدراً في البرزخ ، ويكون مأواك الجنة لا جهنم بعد خلاصك من البرزخ ، وإن لم تنوِّر طورك اليوم ، ولم تسكن البحر المسجور الذي سجر بنيران الشهوة والغضب والكبر ، بماء الذكر وثلج الرياضة وبرد الأخلاق الحميدة . { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } [ الطور : 7 ] ، ولكل لطيفة عذاب يختص بما دون غيرها ، وأشد العذاب ذل الحجاب وهو أن ليس له واقع بعد الوقوع ، كما يقول : { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [ الطور : 8 ] ، ولا حيلة للسالك في دفعة خاصته . { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ } [ الطور : 9 ] ، سماء الصدر { مَوْراً } ، { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ } [ الطور : 10 ] ، جبال قوى معدنيته { سَيْراً } [ الطور : 10 ] ، عند مشاهدته قوته القابضة النازعة ، التي هي عزرائيل تقبض قوى روحانيته السارية في عودته ، وينزع من ذرات وجوده اللطيفة الحيوانية ، التي هي من خصائص صفات روحانيته . { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } [ الطور : 11 - 12 ] ؛ أي : يخوضون في غمرات البحر اللجي الدنيوي ، ويلعبون فيها يزيدها الباطل ومتاعها القليل ، ويكذبون اللطائف المستخلصة عن الأكدار المتحلية بالأنوار المرسلة إليهم بالإنذار والإيثار ؛ لاشتغالهم بالدنيا الفانية ، ومتاع الغرور وغفلتهم عن الآخرة الباقية ، التي هي دار السرور . { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } [ الطور : 13 - 14 ] ؛ أي : تكذبون اللطائف المرسلة إليكم الداعية لكم إلى الحق ، فهذه النار التي كانت فيكم ، وأنتم أشعلتموها في وجودكم ، وأوقدتموها بنيران الحسد والحقد والكبر والغضب والبغض ، وجمعتم لها حطب الحطام الدنيوي من الدراهم والدنانير والأموال والأملاك والمواشي ، فصار المجموع حطمتكم مما تكوي جباهكم وجنوبكم . { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا } [ الطور : 15 ] ، الذي يدفعكم خزية نيرانكم إليها دفعاً ، ويقولون معكم : { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } [ الطور : 14 ] دار الكسب خلف الأستار ، وتنكرون اللطائف المنذرة غاية الإنكار ، ويستهزئون بالإنذار ، فسحر هذا الذي تبصرونه اليوم ، الذي كشفنا عنكم فيه الغطاء ورفعنا الأستار ، أتظنون أن الذي تشاهدونه ليس حقيقة أم سحر أعينكم ، { أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } [ الطور : 15 ] ، حقيقة .