Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 16-23)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱصْلَوْهَا } [ الطور : 16 ] أدخلوها لتذوقوا عذابها ، { فَٱصْبِرُوۤاْ } [ الطور : 16 ] في هذا البلاء { أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } [ الطور : 16 ] حين لا ينفعهم الصبر ؛ إذ لم تصبروا حين ينفعكم الصبر ، { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } [ الطور : 16 ] أجزعتم أم صبرتم ؛ { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 16 ] في الدنيا من الخير والشر الذي تعملون في الآخرة من الصبر والخضوع والخشوع والتضرع والدعاء ، فإنه لا ينفع شيء منها ، والحاصل أن يقال : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] . ثم أخبر عن التقى وأرباب هذه الدرجات العلا بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } [ الطور : 17 ] ، يشير إلى أنهم في جنات القرب ونعيم المشاهدة في العاجل والآجل ؛ إذ اتقوا بالله سواه . { فَاكِهِينَ } [ الطور : 18 ] ، متعجبين { بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } [ الطور : 18 ] من أصناف ألطافه ، { وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [ الطور : 18 ] جحيم نفوسهم وعذابها وشهواتها . { كُلُواْ } [ الطور : 19 ] من طعام المشاهدات ، { وَٱشْرَبُواْ } [ الطور : 19 ] ، من شراب المكاشفات ، { هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 19 ] من أنواع المجاهدات ورعاية آداب الرياضات ، فإن المجاهدات تورث المشاهدات : @ فاشرب على وجهها كَغُرَّتِها مُدامةً في الكؤوس كالشَّررِ @@ { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } [ الطور : 20 ] ، سرر الدرجات والقربات المفيضة في العبودية ، { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } [ الطور : 20 ] ، من إنكار الحقائق الغيبية { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ الطور : 21 ] بهذا الحديث في طلب الحق تعالى من القلب والروح ، { وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم } [ الطور : 21 ] من النفس وصفاتها { بِإِيمَانٍ } [ الطور : 21 ] بهذا الحديث { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [ الطور : 21 ] ، وإن لم يكونوا مستعدين لنيل هذه الكمالات من الوصول والوصال بالاستقلال ، { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم } [ الطور : 21 ] ؛ أي : ما ينقص من جزاء عمل القلب والروح { مِّن شَيْءٍ } [ الطور : 21 ] ، بسبب إلحاق النفس وصفاتها بهم في المقام . { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُم } [ الطور : 21 - 22 ] ؛ يعني : القلب والروح { بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } [ الطور : 22 ] ؛ يعني : بما هو من مشارب النفس الحيوانية ؛ تقويةً للروحانية وإمداداً للسير في الصفات الربانية . { يَتَنَازَعُونَ } [ الطور : 23 ] ؛ يعني : يتعاطون القلب والروح والنفس وصفاتها ، { فِيهَا } [ الطور : 23 ] ؛ أي : في مقامات السير { كَأْساً } [ الطور : 23 ] من مشارب الروح والقلب للنفس ، وكأساً من مشارب النفس للروح والقلب ، { لاَّ لَغْوٌ } [ الطور : 23 ] من أوصاف البشرية { فِيهَا } [ الطور : 23 ] في الكاسات ؛ لينزله إلى مقام النفس { وَلاَ تَأْثِيمٌ } [ الطور : 23 ] من أوصاف الروحانية ؛ لعده بطبع الروحانية في الروحانية . تفسير عين الحياة { ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 16 ] ؛ يعني : صلوا الستار التي أنتم أوقدتموها ، وأشعلتم حطب الحطام بنيرانها ، { فَٱصْبِرُوۤاْ } وهو أمر على طريق الظن والاستهزاء بهم ، { أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } وهو كلام يتكلم المتكلم به على طريق عدم الالتفات إلى حال المجرمين ، { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } أن تصبروا على هذه النار { أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } ؛ لأن إخراجكم من هذه النار التي أنتم أشعلتموها في دار الكسب محال غير ممكن ، هذا جزاؤكم على ما كسبتم من حطب الحطام ، واجتهدتم في إيقاد النار ، وبالغتم في اشتعالها بريح القوى . { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الطور : 17 ] الذين اتقوا متاع الدنيا ، وهو ما عده الله تعالى في كلامه ؛ حيث بيَّن ما زينه الشيطان للإنسان بقوله عز وجل : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } [ آل عمران : 14 ] ، { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا } [ آل عمران : 15 ] عن هذه الأمتعة التي ذكرناها ، وعن نيران الشهوة والغضب والكبر والحسد عند ربهم جنات ، كما يقول في هذه السورة { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } [ الطور : 17 - 18 ] ، من العلم النافع ، الذي حملهم على التقوى من متابعة الهوى والاشتغال باللعب واللهو في جميع أمتعة الدنيا ، التي هي الحطمة في العقبى . { وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [ الطور : 18 ] ؛ يعني : بعد أن يلهيهم الله بالعلم النافع وقاهم من العذاب بالتوفيق الذي أعطاهم الله ؛ ليجتهدوا في إطفاء نيران الشهوة والغضب والكبر ، وإخمادها بالماء والثلج والبرد . { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 19 ] ؛ يعني : { كُلُواْ } من ثمرات المعارف المختصة باللطيفة النفسية ، { وَٱشْرَبُواْ } من العيون المختصة باللطيفة القلبية ، { هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } من الأعمال الصالحة الظاهرة على الجوارح ، والإخلاص والصدق الباطن المختص بالقلب . { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } [ الطور : 20 ] بما صفوا أسرارهم مستريحين بمشاهدة أنوارهم ، { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } [ الطور : 20 ] ، بما تركوا في البحر المسجور وهو النفوس ، زوجنا لطيفة حورية روحانيتهم بمعاينة صورة الذكر الخالص عن الخواطر الودية . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ الطور : 21 ] ، من قوى لطائفهم باللطيفة المرسلة الخفية ، وما مضى عليهم من الأمور الغيبية ، { وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم } [ الطور : 21 ] ؛ أي : قوى قالبيتهم ونفسيتهم { بِإِيمَانٍ } [ الطور : 21 ] ؛ يعني : ما عملوا بالجوارح الظاهرة والقوى الباطنة شيئاً ينقص حقيقة إيمانهم ، من ارتكاب المناهي والاشتغال بالملاهي ، والاجتراء على المعاصي مما يؤخذ صاحبه وقت كشف الغطاء بالنواهي ، { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [ الطور : 21 ] ؛ يعني : ألحقنا باللطائف قواهم المزكاة في التمتع بالأكل والشرب وما تشتهي أنفسهم ، { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } [ الطور : 21 ] ؛ أي : ما نقصنا من آبائهم بما أعطينا ذرياتهم ، { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [ الطور : 21 ] ، هذه إشارة إلى أن اللطائف أجور خاصة مما يليق بحالها من معارف الحقيقة الإلهية ، وللقوة المذكورة أجوراً خاصة من المعارف الحقيقية والروحية والسرية والقلبية ، وللجوارح أجوراً خاصة مما يليق بها من التنعم بالنعيم المقيم ، والحور العين ، وما اشتهت أنفسهم في الجنة ، فكل جارحة من الجوارح أو قوة من القوى أو لطيفة من اللطائف بحسب سعيها في طاعة الله تعالى في دار الكسب ، يجزيها الله في دار الجزاء بمثل ما كسبت وسعت وادخرت لنفسها ، كما يقول تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] ، { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } [ النجم : 40 ] خيراً كان أو شراً . { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } [ الطور : 22 ] ، هذه أيضاً لقوى نفوسهم الباطنة ، وجوارحهم الظاهرة المتحلية بالطاعة ، { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } [ الطور : 23 ] ؛ يعني : يكون كؤوس استعدادات اللطائف مملوءة من شراب المشاهدة ، منزهّاً من كل باطل من كل شيء يأثم به شاربه ، وهذه مدخرة لهم في دار الجزاء ، ينظرهم كؤوس استعداداتهم من اللغو والتأثيم والرفث والكذب والغيبة والكبر والحسد وأمثالها في دار الكسب ، يتناولون في دار الجزاء كؤوس استعداداتهم المطهرة المملوءة من شراب المعرفة .