Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 42-49)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ } [ الطور : 44 ] من غباوتهم وسفههم إنه { سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } [ الطور : 44 ] ؛ يعني : أنهم وإن رأوا كل آية لا يؤمنون ، كما قال تعالى : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } [ الحجر : 14 ] ، حتى شاهدوا باليقين { لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } [ الحجر : 15 ] ، وليس هذا عياناً ولا مشاهدة { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } [ الطور : 45 ] ؛ أي : فأعرض عنهم حتى يلاقوا يومهم الذي يتجلى لهم الحق ، فيصعقون عن أنانيتهم كما صعق موسى إذ تجلى ربه للجبل { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } [ الطور : 46 ] ؛ لأنه من صفات النفس ، وقد ماتت النفس عن صفاتها بصعقة التجلي ، { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [ الطور : 46 ] ، بشيء من الأوصاف البشرية . { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [ الطور : 47 ] أنفسهم بإفساد الاستعداد الأصلي في قابلية الفيض الإلهي ، { عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } [ الطور : 47 ] ؛ أي : من صفات القهر دون صفات اللطف ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الطور : 47 ] ، اللطف من القهر ولا القهر من اللطف . ثم أخبر عن الصبر أنه دافع للقهر بقوله تعالى : { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } [ الطور : 48 ] ؛ أي : فاصبر لما حكم به لك في الأزل ؛ فإنه لا يتغير حكمنا الأزلي إن صبرت وإن لم تصبر ، ولكن إن صبرت على قضائه ؛ فقد جزيت ثواب الصابرين بغير حساب . وفيه إشارة أخرى فاصبر لحكم ربك ، { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } [ الطور : 48 ] نعينك على الصبر لأحكامنا الأزلية ، كما قال تعالى : { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [ النحل : 127 ] ، { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ } [ الطور : 48 - 49 ] ، به يشير إلى مداومته على الذكر وملازمته بالليل والنهار . تفسير عين الحياة . { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً } [ الطور : 42 ] ، يعني : بكيد القوى الروحية الدنسية الأنسية لغاية حسدها للطيفة الفائضة من الحق ، وجهلها باشتقاق اللطيفة عليه ؛ لقصور علمهم على شهواتهم العاجلة وينكرون اللطيفة ، { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } [ الطور : 42 ] ؛ يعني : إذا خرجوا من عالم الخيال وعاينوا ما وعدتهم اللطيفة ، وأوعدتهم في الغيب تحسروا من إنكارهم وكفرهم ، ولا ينفعهم إلا العذاب الأليم الدائم ؛ فكانوا في الحقيقة مكيدين بإعطاء اختيارهم وقوتهم التي بها كادوا اللطيفة وبإمهالهم زمان الإنكار . { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } [ الطور : 43 ] ؛ أي : هم يقولون : إن إله اللطيفة إله آخر ، وإلهنا إله آخر يأمرنا إلهنا بما نحن فيه ، { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الطور : 43 ] ، إن الله منزه عن الشرك مقدس عن النظير والتشبيه ، متعالٍ عن أن يكون له ضد ولا ند في الملك والملكوت ، وله فيهما ملكاً وطلقاً وملكاً حقاً من الشقائق والدقائق المتصلة بدقائق الجبروت ، المربوطة بحقائق اللاهوت . { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً } [ الطور : 44 ] ؛ أي : عذاباً من سماء الصدر ، نازلاً عن القوى الروحية المنوطة في النفس والقالب ، يقولون قبل أن يصل إليهم أنهم { يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } [ الطور : 44 ] بعضه ببعض ؛ لتسقينا من مطر الرحمة . { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } [ الطور : 45 ] ؛ يعني : اتركهم حتى يلاقوا ، ويعاينوا يوم كشف الغطاء العذاب الواصل إليهم بعين العيان ، ويصعقون من هيبة العذاب ولا صراخ لهم { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [ الطور : 46 ] ؛ لأنهم ضيعوا الاستعدادات التي أعطيناهم من الآلات والأدوات الجسمانية والروحانية عارية ؛ ليكتسبوا بها في دار الكسب النعيم الأخروي الباقي ، واستعملوها في تحصيل نعيمهم الدنيوي الفاني ، وحصلوا بتلك الآلات والأوقات والإنكار والأغلال والعذاب الأليم الدائم ، فليس لهم صريخ ، ولا نصير . { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [ الطور : 47 ] ؛ أي : القوى التي ظلمت على اللطيفة الخفيفة ، يمنعها عنها حقها من الحظوظ النفسانية المزكاة ، { عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } [ الطور : 47 ] ، وهو عذاب يحصل لهم من عملهم بأن اللطيفة كانت معهم في جميع الأحوال ، رقيبة لهم مطلعة عليهم ، وهم قصروا في خدمتها وكادوا بها كيداً عظيماً ، وظلموا عليها بمنع الخلق الحظي عنها ، وهذا من أشد العذاب ، وفي دار المقام للقوى الظالمة الكافرة الباقية العارفة بما ضيعت وقصرت ، ولا سبيل لها إلى الرجوع للتدارك ، ولا تنسى أبد الدهر تقصيرها . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الطور : 47 ] ؛ يعني : لا يعلم أكثر الخلق اليوم ما يدخر لهم من مكتسباتهم غداً في دار المقامة ؛ لكثافة حجب جهلهم بأجر الآخرة ، وقصور نظرهم عن اللذات الآجلة ، مقصورة همتهم على الشهوة العاجلة ، وغلظ أستار ظلمهم من ظلام وجودهم . { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } [ الطور : 48 ] يا صاحب اللطيفة الخفية ، { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } [ الطور : 48 ] ؛ أي : بحفظنا [ وأمننا ] وأنت عزيز عندنا ، { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } [ الطور : 48 ] ؛ أي : نزهه عن الشريك ، وتيقن أن تنزيهك وتسبيحك له من توفيقه ، واحمده حمد العاجز عن أداء حق حمده ؛ ليكون هذا العجز منك محموداً عند ربك { حِينَ تَقُومُ } [ الطور : 48 ] ، مقام العبودية على عتبة العبدية . { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } [ الطور : 49 ] ، يعني : فسبحه عند نزول السكينة عليك ؛ ليدخلك في دار الحرية ويجلسك على سرير الكرامة ، { وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ } [ الطور : 49 ] ؛ أي : إدبار نجوم اللطائف عند ظهور نجم اللطيفة الخفية ، وأيضاً وقت هلاك النجوم عند ظهور قوى شمس الوجه ، كما بقوله تعالى : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] . فينبغي أن يسبح السالك له عند ظهور نور الوجه بلسانه ، ويتحرز عن إثبات وجود غير وجوده ؛ لأنه شرك مطلق في ذلك المقام ، وبدوّ نجوم القوى الروحانية أيضاً دليل قاطع على طلوع شمس الوجه على سبيل الجذبة والسر ، الذي به صارت اللطائف القالبية والنفسية والقلبية والسرية والروحية والخفية محلاً للقسم . وذكر البحر المسجور بعد ذكر اللطائف القالبية والقلبية والسرية والروحية والخفية في القسم الملكوتي والسر ، الذي سلك القلب في سلك السر في القسم ، وإن القسم بقاف القلب مدرج في قاف والقرآن ، والخصوصية التي بها ما أقسم بين قسمه باللطائف الخمسة ، باللطيفة القلبية والخفية ، وأقسم منهما منفرداً في سورة قاف والنجم ، وسورة النجم مكية وهي اثنا وثلاثون آية من حدود القرآن ، ولا يمكن لأحد أن يفسر حد القرآن برأيه الملكوتي ؛ لأنه يتعلق بأسرار عالم الجبروت ، ومطلع القرآن يتعلق بأسرار عالم اللاهوت ، فأما بطن القرآن من أسرار عالم الملكوت ، والذي أشرت إليه في تفسير هذه السورة كان من بطن القرين مما ينبغي للسالك أن يعرفه ؛ ليمكن له السلوك ويصح له التوجه إلى مالك الملوك ، فالواجب على مفسر ظاهر القرآن ألاَّ يفسر إلا بالسماع ، وعلى المحقق ألاَّ يفسر البطن إلا بإلهام ، وعلى الموحد ألاَّ يفسر الحد إلا بإذن ، وعلى المطلع على سر الذات أن يصير ألكن ، وأبكم في مطلع القرآن ؛ ليكون هو المبين ، والله المستعان وعليه التكلان .