Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 1-15)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أيها المسبح بأعداد النجوم سبح عند نزول النجم الحقيقي الذي صار محلاً للقسم ، حيث قال في كتابه المحكم : { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } [ النجم : 1 ] ؛ يعني : بحق اللطيفة الخفية النازلة على محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } [ النجم : 2 ] ؛ يعني : ما ضل محمد صلى الله عليه وسلم فيما اختار طاعة الله وعبادته ، وما غوى فيما يأمركم به وينهاكم عنه ، { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [ النجم : 3 ] ، وما يتكلم عن هوى نفسه أبداً ، { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } [ النجم : 4 ] ؛ يعني : ليس نطقه وكلامه إلا وحياً من الله تعالى يوحي إليه ، { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } [ النجم : 5 ] ؛ يعني : علمه جبرائيل الذي هو أمين الوحي ، وحظك منه أيها السالك في عالم الأنفس أن تعلم أن الله أودع فيك اللطيفة الخفية ؛ وهي داعية إلى الحق اللطائف القالبية والنفسية ، والقلبية والسرية ، والروحية والخفية ، وقواها والوارد الذي يرد عليك عند التصفية والتزكية كان من عند الله ، علمتك القوة الروحانية الشديدة على الشيطان . { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } [ النجم : 6 ] ؛ يعني : ذي قوة معتدلة بأمر الحق عند اللطيفة الخفية ، { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } [ النجم : 7 ] ؛ يعني : محمد كان بالأفق الأعلى حين ذي قوة استواء جبرائيل والأفق الأعلى كان لمحمد ولروحانيته ؛ لأن أفقه كان أعلى الأفق ، ولكل لطيفة أفق إلى ما فوقه وأفق إلى ما تحته ، فلمحمد أفقان : أفق الفوق إلى الحق : وهو الأفق المبين . وأفق التحت إلى الخلق ، والأفق الأعلى ؛ أي : أفقه أعلى الأفق ومنتهى وصول اللطائف إليه ، فكذلك للطيفتك الخفية أفقان فاطلب أفقها ، واجتهد أن تأخذ من الحق في الأفق المبين ؛ يعني : بلا واسطة ولا تقنع بالستور ؛ لئلا تكون ممن أكل من تحته ، وكن عالي الهمة لتأكل من الفوق والتحت ومن جميع الجهات ، ثم لا تقنع بهذا حتى تصل إلى مقام تأكل منه ، ولا يمكن لأحد أن يأكل من ذاته إلا بعد وصوله إلى الذات الواحدة وهلاكه فيها ، وبيان سر الهلاك في الذات يقرع باب الطلع ، وأما مأمور شدة فأعبر وأعتبر . { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } [ النجم : 8 ] ؛ يعني : نزل شديد القوة على اللطيفة ودنا منها فكان دنوه ، { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [ النجم : 9 ] مقدار قوسين أو أدنى ، افهم يا سالك أن اللطيفة الخفية دنت من الحق ، فتدلت بنزولها من أفق الأزل إلى أفق الأبد حتى تصل أفق الأزل بالأبد ، وهو عبارة عن { قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [ النجم : 9 ] ، إشارة إلى : اتصال طرفي القوس عند غاية النزع ، وهذه العبارة والإشارة يدلان على وصول اللطيفة الخفية إلى الحق على حد ما كان لأحد أن يتجاوز ذلك الحد ، والذي أشار إليه المفسرون : إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبرائيل بحيث سد الأفق قول صدق وكلام حق ، ولكن ينبغي أن يعرف اللطيفة الجبرائيلية والأفق ، ويعلم أن صورته كيف سرقت الأفق وما يعني سد الأفق ، وحقائق هذه الأشياء متعلقة بحد القرآن مما لا يؤذن تفسيره ، خذ من تفسير بطنه نصيب باطنك ، وخذ من ظهره حظ ظاهرك ؛ وهو الإيمان والإقرار مما قال الله تعالى ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرادوا أراد رسول الله بذلك القول . { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [ النجم : 10 ] ؛ يعني : أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام أعلى مقام الزلفى والقربى جهراً ، ما أوحى إلى سره قبل ذلك الوقت سراً ، وهذا السر كشوفي ثم شهودي ؛ يعني : ألهم الرب سر السالك من حيث الكشف في البداية سراً ، ثم يلهمه بعد إيصاله إلى حضرة المشاهدة جهراً ؛ ليتفق بالإلهام الكشفي أنه كان من الحق سبب الوحي الجهري حالة الشهود ، وهذه طريقة مبناه واضحة عند أصحاب الوصول في السير والسلوك . { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } [ النجم : 11 ] ؛ يعني : في الوحي الشهودي لا يمكن للقوة المدركة أن تكذب ما رأى فؤادها ، غير أنها في عالم الكشف كانت دخيلة نظراً عليها الشبهة بإلقاء الشيطان في روعها ، { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } [ النجم : 12 ] في المشاهدة ؛ يعني : خاطبي قواك ، أتنكرون على اللطيفة ما رأت في عالم الشهود ؟ ويجادلها { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } [ النجم : 13 ] ؛ يعني : اللطيفة الخفية ، رأى الحق بعد نزوله من الأفق الأعلى إلى سدرة المنتهى وسدرة المنتهى ووحيه ، كما أن الأفق الأعلى خفي ، فيها جنة المأوى كما قال تعالى : { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } [ النجم : 14 - 15 ] ، وكل ما ذكره أهل الظاهر في تفسير سدرة المنتهى حق ، فينبغي أن يشاهد السالك في معراجه مثل ما ذكروه ، وجنة المأوى اليوم موجودة بل هي معك ، فإن كنت عمرتها وزرعت فيها البذور والطيبة صارت جنة المأوى ، والنار موجودة وهي معك ، فإن كنت عمرتها وزرعت فيها البذور الفاسدة صارت جهنم وهي أيضاً معك ، وكلاهما في المنتهى ، ولكل أحد من الناس سدرة المنتهى حاصلة ؛ لأن منتهى سره يكون إليها ولا يمكن التجاوز عنها ، فأما المخصوصون المجذوبون فإنهم جذبوا عنها بجذبات اللطف ، كما أخبرنا الصادق الصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله : " جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين " لأن العامل يصل بعمله إلى سدرة منتهاه ، ولا يمكن التجاوز عنها بعمله ؛ لأن العمل يتعلق بالعامل ، ولا يصل أحد إلى الله بعمله إلا بتوفيقه وجذبته ، ولكن يصل بعمله المخلوق إلى سدرة منتهاه ؛ وهي أيضاً مخلوقة ، فاجتهد في أن تصل إلى سدرة منتهى استعدادك اليوم ، وتشاهد ما هيئت نفسك في سدرتك ، ولا تلتفت إليه وتوجه بالكلية شطر جناب الجبروت ؛ لأن السدرة وما فيها ملكوتية .