Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 16-26)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } [ النجم : 16 ] من نور العزة تهتدي إلى جناب الجبروت ، فإذا كنت ملتفتاً على نعيم السدرة وتفرجاتها ، مشتغلاً بمتنزهاتها ، تحرم عما في عالم الجبروت مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فارفع الهمة كما رفع نبيك حين وصل إليها ، { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [ النجم : 17 ] ؛ أي : ما زاغ بصر النبي صلى الله عليه وسلم وما التفت إلى الجنة ومزخرفاتها ، ولا إلى الجحيم وتبعاتها شاخصاً بصره إلى الحق وما طغى قدمه عن الصراط المستقيم ، ومازال في سيره إلى الله تعالى حتى صادقته الجذبة وأوصلته إلى عالم الجبروت . { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } [ النجم : 18 ] ، روى علقمة عن عبد الله ؛ يعني : رأى رفرفاً خضراً أفق السماء ، وهذا أقرب إلى مرادنا ؛ لأن قرب يتلون بالجذبة ، واللون الأخضر أخص الألوان بسر غيب الغيوب ، وأشار به إلى أنه سد الأفق صحيحة في عالم المشاهدة ، ومن تشرف بالجذبة يعلم صحة قول عبد الله رضي الله عنه : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 19 - 20 ] ؛ يعني : أفرأيتم أيتها القوى اللات القالبية ، والعزى النفسية ، ومناة المنى الهوائية ، إنها بنات الله ؛ يعني : تظنون أن هذه اللطائف الغير المستخلصة ، روائع حقيقية ونتائج إلهية وتنسبونها إلى الله بالبنية ؛ لأنكم تشاهدونها بأنها لطائف ، وتنظرون إلى صورتها وتظنون من حيث الصور بأنها آيات ؛ لقصور علمكم بذات الحق . { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } [ النجم : 21 ] أيتها الغفلة الجاهلة ، وإذ قد نسبتم اللطائف إلى الله ، فكيف لبستم نسبته البنات ؟ { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [ النجم : 21 - 22 ] ؛ أي : قسمة جائرة ناقصة غير معتدلة ، أن تنسبوا إلى خالقكم ما تكرهون لأنفسكم . { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم } [ النجم : 23 ] ليس هذه { ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 19 - 20 ] من اللطائف الخفية ، بل هي أباطيل أنتم كسبتموها في دار الكسب وسميتموها بهذه الأسماء ، وآباؤكم كسبوا هذه الاستعدادات الباطلة ؛ يعني : أنفسكم الأمارة وأرواحكم المتدنسة بتربية القالب الغير المزكى عن الأخلاق الردية ، كسبوا هذه اللطائف الباطلة وسموها آلهة { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } [ النجم : 23 ] ما أنزل بهذه الاستعدادات من قوة حقيقة يكون لكم حجة وبرهاناً على أنها ذات حظ من القوى الخفية ، { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } [ النجم : 23 ] ؛ يعني : القوى القالبية والنفسية الكاذبة الفاجرة الأمارة بالسوء ، لا يقولون هذا القول إلا بالظن وليس لهم برهان على ما يزعمون إلا هوى أنفسهم ، { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } [ النجم : 23 ] ؛ يعني : بيان طريق الحق على لسان اللطيفة الخفية ، واللطائف الخفية وأخواتها المستخلصة عن الأباطيل المزكاة عن الأضاليل . { أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ } [ النجم : 24 ] ؛ يعني : أيظن الإنسان الغافل الجاهل أن ينفعه التوجه إلى آلهة هواه غداً عنده مولاه ، { فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } [ النجم : 25 ] ؛ أي : ليس كما نطق الغافل الجاهل أن عبادة آلهة هواه تنفعه في الآخرة بنعيم الباقي ، وفي الأولى يذوق ثمرات المعرفة ؛ التي هي { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [ الواقعة : 33 ] ؛ لأن الآخرة والأولى ملكاً وملكاً ، { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ النجم : 26 ] ؛ أي : كم قوى في سماوات أطوار القلب { لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ } [ النجم : 26 ] في الشفاعة ، { لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } [ النجم : 26 ] في العلم القديم به خير ، ويرضى عن عمله الصالح في الدنيا ، فما ظنكم بالقوى القالبية والنفسية أنها مع كدوراتها يقدر على شفاعتكم من غير الإذن من الله ، وحصول الإذن لا يمكن لأحد إلا لمن يشاء ويرضى .