Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 1-9)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أيتها القوى العلوية الساجدة ، وأيتها القوة السفلية العابدة اعلما أن الساعة قد قربت ، وافهما ما يقول الله تعالى في كلامه حيث يقول : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [ القمر : 1 ] يعني : قيامة القلب دنت ، وعلامة دونها انشقاق قمر القلب ، كما يقول بعده : { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [ القمر : 1 ] الهيبة الوارد القهري . { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً } [ القمر : 2 ] ؛ يعني : القوى الكافرة القالبية والمشركة والمنافقة النفسية ، آية انشقاق قمر القلب أو غيرهما من الآيات البينات الأنفسية { يُعْرِضُواْ } [ القمر : 2 ] عن الآيات لبينة ، { وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } [ القمر : 2 ] ؛ يعني : سحر بأعيننا واستمر فينا ، وليست لهذه الآيات حقيقة ، واستدلوا بعلمهم الحاصل من قبيل العقل أن الخرق والالتئام محال في الفلكيات ، وما فطنوا أنه إن لم يكن هذا الأمر محالاً عند العقل ، فكيف يكون إظهاره على يد البشر ؟ ومعنى المعجزة أن الأناسي يعجزون عن إتيان مثل ما يأتي به صاحب المعجزة الذي هو إنس من الأناسي ، فحملتهم شقاوتهم على إنكار المعجزة ، وقدرهم إنكارهم سلاسل الاستكبار حتى لا يقبلوا الحق فأوردتهم شقاوتهم النار . { وَكَذَّبُواْ } [ القمر : 3 ] اللطيفة الخفية المرسلة إلى جميع قوى اللطائف ؛ ليدعوهم إلى الحق بالمعجزات القاطعة والآيات الساطعة ، { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } [ القمر : 3 ] المردية { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } [ القمر : 3 ] بأهله من الخير والشر ، فالخير مستقر بأهله في الجنة ، كما يقول تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ } [ يونس : 26 ] ، والشر مستقر بأهله في النار ، كما يقول تعالى للذين أساءوا السوء ؛ لأن كل أحد من الناس يعمل على شاكلته ، ويختم له في نهايته على ما قدره الله له في بدايته من سعادته وشقاوته . { وَلَقَدْ جَآءَهُم } [ القمر : 4 ] ؛ يعني : أهل مكة ، وجودهم الكافرة بالواد الخفي والبيان الجلي { مِّنَ ٱلأَنبَآءِ } [ القمر : 4 ] ؛ يعني : من أخبار القوى المكذبة للطائف السالفة ، ومما حان معهم من العذاب { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } [ القمر : 4 ] من الزجر والوعظ ؛ ليزدجروا عن التكذيب والإنكار . { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } [ القمر : 5 ] ، تامة بلغت منتهاها في الوعظ والزجر ، { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } [ القمر : 5 ] ؛ يعني : ليست موعظة النذر بالحكمة البالغة الواردة للقوى الكافرة المشركة المستكبرة الناطقة ، { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } [ القمر : 6 ] أيتها اللطيفة الخفية ؛ لأنهم جبلوا على الشقاوة { يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } [ القمر : 6 ] ؛ يعني : يوم يدعو داعي الأماني لقطع الأمنية وهو أنكر الأشياء ؛ لأن قطع الرجاء عن المستغيث والبلاء أشد من البلاء ، وأنكر العناء نريهم ، { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ } [ القمر : 7 ] ، في تلك الأشياء ؛ لأن قطع الحالة المنكرة ؛ أي : دليله خاضعة ناظرة إلى كل من يمر عليهم بالذل والمسكنة ليرحم عليهم المار ، { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ } [ القمر : 7 ] ؛ يعني : حين يدعوهم الداعي خرجوا من قبور قوالبهم شاءوا أو أبوا ، { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } [ القمر : 7 ] فتفرق ، ويكون صور قواهم المكتسبة في البدن المجعول مثل الجراد المتفرق حيارى متفرقين ، { مُّهْطِعِينَ } [ القمر : 8 ] مسرعين مقبلين { إِلَى ٱلدَّاعِ } [ القمر : 8 ] ؛ وهو قواه أسرا قبليتهم المسلطة عليهم ، { يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ } [ القمر : 8 ] بالحق المنكرون آياته ، المكذبون لطائفه المرسلة إليهم بالمعجزات الواضحة الآيات البينة ، { هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } [ القمر : 8 ] صعب شديد ، لا قدرة لنا على دفع الداعي المسلط علينا ، ولا يسمع منا عذر ولا تنفعنا شفاعة ، والله ما ذلك اليوم إلا يوم عسر عبوس ، فالسعيد من أيقظ بهذه المواعظ وأقبل على الحق وأدبر عن الباطل ، وترك الهوى واشتغل بعبادة المولى ، وعلم أن الخروج من الدنيا والدخول في العقبى حتى كتبه الله على اللطيفة الإنسانية وتنعمها وتأملها أبد الآباد ، سبب كسب البدن المكسب الباقي في هذا البدن المجعول الفاني من جواهر المفردات السفلية ، ولطائف المفردات العلوية الحقيقة فيها وقت الإيجاد صدق لا شك فيه ، كما أن الفرخ المستكن في البيضة إذا تمت مودته الفرخية كيف يُقَشِّر قشر البيضة ، والمجعول بتربية دجاجة الروح الإنسية ويطير في هوى الهوية ، ويسرح في رياض الجنة القلبية ، ويأكل من ثمار معرفة الربوبية ، ويشرب من شراب الألوهية ، وكل هذا يحصل للسالك في الدنيا بالموت الاختياري ، كما يقول الحكيم السني السيد المسمى بالسمناني - رحمه الله - بالفارسية بيت شريف : بمير ؛ أي : روست يبش أزمرك اكرمي نزندكي خواهي كه ادريس ازجنين مردن بهشتي كشت بيش أزماه . وإشارة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " موتوا قبل أن تموتوا " ، كانت إلى هذه الحقيقة { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } [ القمر : 9 ] ؛ يعني : القوى القالبية والنفسية كذبت اللطيفة النفسية المستخلصة عن الكدورات المطهرة عن القاذورات ، المرسلة بالآيات البينات ، { فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } [ القمر : 9 ] ؛ يعني : تلك القوى كذبوا اللطيفة المأمورة المطهرة النفسية بما بلغت إليهم من الآيات البينات الأنفسية في بداية السلوك ، { وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } [ القمر : 9 ] ؛ يعني : ازدجر بين عشيرته القريبة ؛ وهي القوى النفسية ، فصار مجنوناً ، وشاهدت هذا الحال في بداية أمري ؛ إذ نسبني إلى الجنون والدي وعمي وجميع أقربائي وأحبائي ، فلما اشتغلت بالذكر الخفي القوي ظهرت لي في الليلة الأولى شرارات نيران منورة من صدري حتى لحقت بالسماء ، فلما فتحت العين وأبصرتها معاينة قلت في نفسي : إن الذين يقولون في حقي صدق ، ما هذه المعاينة للشرارات في ظلمة الليل في جوف البيت المظلم إلا من فساد جذب في الدماغ ؟ والقوى المكذبة النفسية يخوفوني ويمنعونني عن الذكر ، والقوى الشيطانية يشككونني في مشاهدة الآية البينة وقلبي كان غير ملتفت إلى أقوالهم ، مشتغلاً بالذكر حتى طلع الصبح ، فلما خرجت من البيت ودخلت المسجد لصلاة الجماعة ظهر فوق سجادتي وعن يميني ، وعن قبلتي كواكب درّية لا تحصى ، فخفت عنها في الظاهر وأنست بها في الباطن ، والقوى المشكلة الشيطانية والقوى المكذبة النفسية أيضاً يشوشونني ويأمرونني بترك الذكر ، وأنا روعان من ألسن الناس أن أقفوه بما أشهده وأعاينه ، وهذه المشاهدة حصلت لي أول ليلة اشتغالي بالذكر الخفي القوي ، على وفق مذهب مشايخنا - قدس الله أرواحهم - وكنت قبل هذه الليلة مشتغلاً بكثرة الأوراد المأثورة ، والأذكار اللسانية من أنواع التسبيحات والتهليلات ، والتكبيرات والتحميدات ، والصلاة والسلام ، وكثرة الركعات والسجدات في الصلاة ، وبالمجاهدات والرياضات ، على وفق ما يعجبني مما حكي من المشايخ المتقدمة ، ففي هذه الآية أخذت هذا الذكر القوي الخفي بشرط النفي والإثبات من أخ لي في الدين - رحمه الله - وكان من مريدي شيخنا - أطال الله بقاءه - فلما اشتغلت بالذكر ظهرت لي هذه الحالات ، وما قلت له معه لخوفي عما يقولون ، فلما ظننت الإشراق وظهرت لي الكواكب الدرّية ، بحيث لا يحصى عددها ولا يوصف ضياؤها ، قلت مع أخي شرف الدين : هذه الأقوال ، فاستبشر وتبسّم وقال : الحمد الله الذي هداك إلى هذه المشاهدة الغيبية والآيات الأنفسية ، وإنا قد سلكنا سنة واحدة في حرم بيت الله الحرام ، فبعد ذلك حصلت لنا هذه الشرارات على جبل عرفات ، فأحسن الله إليك ووفقك لمشاهدة هذه الآيات في مدة قريبة ، فالواجب عليك القيام بشكر الحق ، والقيام بشكره هو أن تعتزل الناس وتشتغل بهذا الذكر على هذه الشريطة ، فيفتح عليك باب القلب إن شاء الله تعالى ، فاسترحت من القوى المكذبة والمتفككة . واشتغلت بعد ذلك بالذكر ، واخترت العزلة والخلوة سنتين متتابعتين حتى جلت بعد هذه المدة في خلق الأربعين الموسوية ، وفتح الله بلفظ على قلبي ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وسلكت الطريق على الترتيب من العبور على قوى القالبية على وفق دعوة اللطيفة الآدمية ، ثم على القوى النفسية على وفق دعوة اللطيفة النوحية ، ثم على القوى القلبية على وفق اللطيفة الإبراهيمية ، ثم على القوى السرية على وفق دعوة اللطيفة الموسوية ، ثم على القوى الروحية على وفق دعوة اللطيفة الداودية ، ثم على القوى الخفية على وفق دعوة اللطيفة العيسوية ، ثم على القوة الخفية المودعة في جميع القوى على وفق دعوة اللطيفة الخفية ، وهي الدعوة المحمدية ، دعا الناس بها صلى الله عليه وسلم وسمعت من جميع القوى من التكذيب والتشكيك في أمر اللطائف وإنكارهم دعوتهم وكفرهم بربهم ما لا يمكن كتابة عشر عشره في المجلدات . ومقصودي من كتابة هذه الحالة الواحدة التي تظهر في البداية للسالك ؛ هو أن يعلم الرجل المطالع هذا الكتاب المسمى بـ " نجم القرآن " ؛ وهو المزيل للتفسير النجمي الذي كتبه الموفق نجم الدين داية الأسدي الرازي - شكر الله سعيه - من أول القرآن إلى سورة النجم ، فلما وصل إلى سورة النجم قال : يكون عجب أن يأذن الله لي في الشروع في النجم وإتمامه ، فإذا وصل إلى النجم وشرع ومرض وعرج بنجمه المنير من أرض البشرية إلى سماء الربوبية وألهمنا الله تعالى إتمام تفسيره ، والتفسير المكتوب بخطه الشريف تسع مجلدات ، وهذا المزيل مجلد واحد ؛ ليكون معشرة كاملة خفية ، ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " إن للقرآن ظهراً وبطناً … " ، ويؤمن ببطنه كما آمن بظهره ، ولا يشك فيما أشرنا إلى تكذيب القوى للآيات الأنفسية وإنكارهم اللطائف المرسلة وآياتهم الخفية ؛ لئلا يشقى عند مطالعة هذا الكتاب بإنكاره الآيات البينات التي شاهدها كاتبها مراراً ، غير معدودة من بداية اشتغاله بالسلوك إلى هذا الوقت الذي ألهم كتابة هذه الآيات ومقدار زمان اشتغاله بالذكر ، هذا الذي وصفته لك ، فقس بواقي الآيات عليها ؛ لأن الخبير يقنعه القليل من الكثير ، ولا يزيد للبليد إظهار الآيات إلا الإنكار بالتقليد .