Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 1-13)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قدسية رحمانية إسلام أبادية مختومة بختام المسك مما ينافسه المتنافسون وفيه يرغب الراغبون ، وله يزهد الزاهدون ، وإليه يتوجه المتوجهون ، وبه يسلك السالكون ، ومعه يطرب المطربون ويرقص الراقصون ، ومنه يستريح المستريحون ، طوبى لمن نظر فيها بعين العبرة وانتفع منه الخير ، وحمل على جند النفس حمله أهل الغيرة ؛ ليخلص من بيداء الحساب ويخرج من نية الحيرة ، ويخلص نفسه من رق الشيطان ويدخله في زمرة عباد الرحمن ، ويقرأ سورة الرحمن ويتدبر في هذا البيان الذي جاء من حضرة القرآن ، ونقش على صحيفة الجنان ؛ ليشاهد حقيقة بعين العيان ، ويعرف حقيقة بحق الإيقان ، والله المستعان وعليه التكلان . يا طالب علم الرحمن في القرآن : اعلم أن الله تعالى يقول : { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [ الرحمن : 1 - 2 ] ؛ يعني : الرحمن إذا استوى على عرش الروحانية علم القرآن للأرواح الطيبة بما نقش بالقلم الخفي على ألواحهم الساذجة من علم القديم ، فلما تصاعد غبار عالم الحدوث ووقع على ألواحهم خفي النقش ، وما هم بقادرين على بقي الغبار ولا على غسل الألواح . { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } [ الرحمن : 3 ] الجامع ، وجمع فيه المفردات العلوية والسفلية ؛ ليحصل له استعداد يزيل الغبار عن وجه ألواح ، ويغسل الصور المنقوشة ليلوح فيها المعاني ، كما يقول تعالى بعد ذكر خلق الإنسان : { عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } [ الرحمن : 4 ] ؛ ولهذا السر قال الله تعالى مع حبيبه : { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [ القيامة : 18 - 19 ] ؛ لأن البيان تفصيلي والقرآن إجمالي ، وليس للمخلوقات في تفاصيل المعرفة حظ إلا للإنسان ، لقوة لها حصلت من امتزاج مفردات العلويات والسفليات ، واختلاط الأنوار والظلمات ، وهو مزاج معتدل في اللطافة والكثافة ؛ ولأجل هذا صار مظهر صفات الذات . { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } [ الرحمن : 5 ] ؛ يعني : شمس النبوة وقمر الولاية على فلك وجود الإنسان ، يدور بالحساب في الدائرة الأزلية والأبدية على قطب نقطة نون الرحمن ، ولا يكشف هذا السر حتى يفهم قوسيته صورة في البياض والسواد ، وإيصال دائرة الأزل إلى الأبد عند نزعة بواسطة وتروا ، والولاية القائمة بألف الاسم الأعظم ، وسر سين السهم الأسمى الذي لأجله ظهر قوس النون ، ووتر الواو ، وألف الاسم ؛ وهو آخر حروف القوس وبه تتصل دائرة الأزل بالأبد ، وبه يتم التدبير وحكمه الرجوع وحصول الصيد المقصود من إيجاد وجود كل موجود ، والشروع في تحقيقه يلزم الشروع في بيان حد القرآن مما لست مأذوناً في إفشائه . { وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } [ الرحمن : 6 ] ؛ يعني : نجم أمر التدبير ، وشجر سر التدبير عند عروجها على مدبرها يسجدان له ويتذللان بين يديه بالرجوع عليه ، والنجم استعداد علوي نزل وقت التدبير لتربية الشجر ، وهو القوة السفلية ليظهر فيعرج ثم يعرج إلى ربه ، { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا } [ الرحمن : 7 ] ؛ يعني : سماء الصدر رفعها فوق البشرية { وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } [ الرحمن : 7 ] ؛ يعني : وضع القوة المميزة العاقلة بين القوى السمائية وإعطاء الحقوق العلوية ، { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ } [ الرحمن : 9 ] ؛ يعني : لسان الميزان عند البيان ، ينبغي أن يكون قائماً بالعدل لا يميل على جانب الإفراط والتفريط بالهوى ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم " ، { وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } [ الرحمن : 9 ] ، إشارة إلى التفريط ، كما أن قوله : { أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ } [ الرحمن : 8 ] كان إشارة إلى الإفراط . { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [ الرحمن : 10 ] ؛ يعني : أرض البشرية وضعها وفرشها وبسطها للقوى الإنسانية ، { فِيهَا فَاكِهَةٌ } [ الرحمن : 11 ] من فواكه معرفة الصفات الفعلية ، { وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } [ الرحمن : 11 ] ، إشارة إلى الشجرة التي هي مظهر لمعارف الصفات الذاتية ؛ ولأجل هذا قال : { ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } [ الرحمن : 11 ] ؛ لأن شجرة الإنسان ذات الأطوار ، كما أن النخل ذات الأكمام كل طورها مستور بطور آخر ؛ ولأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم : " النخلة عمتكم " ، وهي أفق النباتات { وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } [ الرحمن : 12 ] ؛ يعني : حب الحب المزروع في أرض البشرية ؛ يعني : ذو أوراق من المكاشفات ، { ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } [ الرحمن : 12 ] من المشاهدات ؛ وهو الورق الحسن الذي يخرج من الحب ، والعصف هو الورق الذي يحفظه ، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 13 ] ، إشارة إلى القوتين : العلوية والسفلية ؛ يعني : بأي نعم ربكما أيها القوتان تكذبان ، أبنعمة رفع السماء ، أم بنعمة وضع الأرض تكذبان ؟ أبإنزال النجم التدبيري ، أم بتفريج الشجر الحكمي تكذبان ؟