Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-16)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يا طالب معرفة الواقعة الرافعة ، اعلم أن الواقعة اسم لقيامة الروح ، كما أن الآزفة اسم لقيامة الخفي ، والحاقة لقيامة السر ، والساعة لقيامة القلب ، والواقعة إذا وقعت ترفع صاحبها طوراً وتخفض طوراً ، وتسير من هواها { ٱلْجِبَالُ سَيْراً } [ الطور : 10 ] ، وتمور الأرض موراً ، وتفور نيران الشوق والعشق من هبوب رياح اللطف من شمال الجمال فوراً ، وتشتعل نيران الشدة والغيرة من نفخ ريح سموم الجلال اشتعالاً ، وتفجر حيناً أنهار المعرفة تفجيراً ، وتجعل ماء الحكمة غوراً . واقرأ سورة الواقعة من كتاب الحق حيث يقول : { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } [ الواقعة : 1 - 2 ] متدبراً ؛ لتفهم أن الواقعة أمر جزم لا شك في وقوعها ، والسالك إذا اشتغل بالسلوك والتصفية ووصل ذكره إلى الروح يشاهد الواقعة وهي في البداية ، مثل ستر أسود يجيء من فوق الرأس عند غلبة الذكر ، وكلما تدبر في النزول يقع على الذكر هيبة وسكينة ، وربما في البداية يغمى عليه ، فأما في الوسط فإذا نزل برأسه حتى يقع على عينيه يشاهد عوالم الغيب وما فيه كما شاء الله أن يريه في تلك الواقعة ، ويكشف عليه العلوم الروحانية في تلك الواقعة ، ويرى السالك عجائب وغرائب ما لا يعد ولا يحصى ، فإذا أفاق من واقعته يكون كالحيوان يحكها السلكة ، ويرشده مسلكه إلى ما فيه مصلحة وقته ، ويصير ما هو مناسب لحوصلته ، ويقوى قلبه ويأمره بالذكر والتوجه الكلي حتى يصفو سر الواقعة فيكون سراً منوراً ، فكلما ينزل يجد السالك منها طمأنينة وذوقاً ، وربما يصل إلى حد حتى أن السالك بعد نزولها يفتح عينه في عالم الشهادة ويشاهد مآله في الواقعة ؛ وهي حالة سنية معتبرة عند أرباب السلوك . { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } [ الواقعة : 2 ] ، بل هي صادقة ؛ لأن الشيطان يفر من ظل الواقعة ، ولا تقدر النفس أن تشكل صاحب الواقعة أصلاً ؛ لأنها أظهر من أن يمكن للنفس والشيطان أن يلبسا حالها على السالك ، وعندي أنها حالة حقيقة ؛ وهي النقطة الحقيقية ، والذي تشاهده في عالم الشهادة بالنسبة إليها حالة النوم ، وفي الحقيقة كل ما يشاهده في العالم الخيالي لا حقيقة له ؛ ولأجل هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا " ، فكن أيها النائم في نومك على حذر من حقائق الحيات والعقارب المنبثة بصور أفلاكك لكن تنتبه فتشكر الله على أنك خلصت من النوم ، ولا تتنعم بصورها المزينة المزخرفة الدنيوية ، لكن تنتبه بحزنك الانتباه لما رأيت الصور المزينة الملتبسة في النوم ، ولا بد من الانتباه من مشاهدة حقائق الصور المكتسبة بالأخلاق والصفات ، فاجتهد في أن تجد بصرك وتكشف غطاءك في اليوم لتشاهد حقائق الصور ؛ لئلا تلتفت إلى الصور المزخرفة ، وتشاهد وراء الصور حقائق المعاني العقربية والنارية ، والحطمة في صورة مزينة بالشهوات ؛ ليتيقن بها أطفال الطبيعة وجهال قوى القالبية والنفسية ، ويعاين في الصور الهائلة المزخرفة الدنيوية حقائق الحورية والخلدية والنعم الباقية ، لكن يتنبه بشكر الله على خلاصك من الصور الهائلة ، ووصولك إلى حقائقها وتنعمك بها أبد الآباد ؛ ولأجل هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الجنة حفت بالمكاره ، والنار حفت بالشهوات " ، والذي يقول الله تعالى في صفة الواقعة : { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } [ الواقعة : 3 ] تدل على هذه المعاني ؛ لأنها تخفض أهل الشهوات وترفع درجات الذين تركوا الشهوات ، ونظروا بعين التحقيق إلى معاني الصمد المزخرفة لا إلى صورتها ، وأعرضوا عن الباطل وأقبلوا على الحق . { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } [ الواقعة : 4 ] ؛ يعني : زلزلت أرض البشرية من غلبة ريح الذِّكر الروحي ، { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } [ الواقعة : 5 ] ؛ يعني : فتت القوى المعدنية فتاً من صدمات سلطان الذِّكر الروحي ، { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } [ الواقعة : 6 ] ؛ يعني : غباراً متفرقاً بقوة النفي بالذِّكر الروحي ، { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } [ الواقعة : 7 ] ، أيتها القوى القالبية والنفسية ، والقلبية والسرية ، والروحية والخفية : إنكم في تلك الحالة تتفرقون على ثلاثة فرق : أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة ، والسابقون كما يصفهم الله تعالى : { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [ الواقعة : 8 ] ، هم أصحاب اليمن والبركة من المتيقظين في نومة الدنيا ، المشاهدين حقائق الصور بعين الإيمان ، { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [ الواقعة : 8 ] ما أحسن حال أصحاب الميمنة بعد الخلاص من النوم ، { وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } [ الواقعة : 9 ] ، وهم أصحاب الشؤم والمنقصة من الجاهلين النائمين بنومة الغفلة في الدنيا ، القاصرين نظرهم على الصور المزخرفة المزينة العاجلة ، الغافلين عن حقائقها ومعانيها ، { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } [ الواقعة : 9 ] ؛ يعني : ما أقبح حال أصحاب المشأمة بعد الانتباه من نومة الدنيا ، { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } [ الواقعة : 10 ] ؛ يعني : السابقون الذين سبقت لهم منا الحسنى ، ما زاغ بصرهم وما طغى ، قدمهم عن الصراط يميناً وشمالاً ؛ هم السابقون بتوجههم الصادق إلى الله تعالى ، { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } [ الواقعة : 11 ] من الله ، { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [ الواقعة : 12 ] ؛ أي : في حقائق ما يشاهدونها في صور الكراهة في الدنيا من المجاهدة والرياضة وترك الشهوات وما شكلها . { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } [ الواقعة : 13 ] ؛ يعني : يكون السابق قليلاً من القوى القالبية والنفسية ، والقلبية والسرية ، والروحية والخفية ، { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 14 ] ؛ يعني : أيضاً هم قليلون من القوى الخفية ، كما يقول تعالى في موضع آخر : { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } [ ص : 24 ] { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ * مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ } [ الواقعة : 15 - 16 ] ؛ يعني : سرر السر متواصلة من الصفات منسوجة بجوهر الوفاء وذهب الرضاء .