Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 117-120)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } [ الأنعام : 117 ] ؛ لأنه قَسَّم الضلالة والهدى يضل من يشاء وهو أعلم بمستحقي الضلالة من مستحقي الهداية . { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } [ الأنعام : 118 ] ؛ يعني : من أمارات الإيمان كلوا الطعام بحكم الشرع لا على وفق الطبع وتذيبوه بذكر الله ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " أذيبوا طعامكم بذكر الله " فإن الأكل على الغفلة والنسيان والاستعانة على العصيان يورث موت الجنان والحرمان على الجنان ، { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } [ الأنعام : 119 ] أيها الطلاب ؛ يعني : الدنيا وما فيها ، والآخرة وما هو من نعيمها ، فإن الدنيا حرام على أهل الآخرة ، والآخرة حرام على أهل الدنيا ، وهما حرامان على أهل الله ، { إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } [ الأنعام : 119 ] من ضروريات البشرية في الدارين بأمر المولى ولا بالطبع والهوى ، { وَإِنَّ كَثِيراً } [ الأنعام : 119 ] ؛ يعني : من أهل الأهواء ، { لَّيُضِلُّونَ } [ الأنعام : 119 ] ، عن سبيل وطلب الحق ، { بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 119 ] ؛ يعني : بمتابعة أهوائهم في طلب الدنيا والركون إلى العقبى ، ولا يعلمون أنهم مفتونون وعن باب الحق مطرودون ، { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ } [ الأنعام : 119 ] ، الذين جاوزوا طلب المولى وركنوا إلى الدنيا والعقبى . ثم أخبر عن جزاء أهل الأهواء بقوله تعالى : { وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } [ الأنعام : 120 ] ، الآيتين والإشارة فيهما : أن الله تعالى كما خلق الإنسان ظاهراً : هو بدن جسماني وباطناً : هو قلب روحاني ، فكذلك جعل الإثم ظاهراً : وهو كل قول وفعل موافق للطبع مخالف للشرع ، وباطناً : وهو كل خلق حيواني ومسعى شيطاني جبلت النفس عليه . فقال تعالى : { وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } [ الأنعام : 120 ] ؛ أي : اتركوا أعمال الطبيعة باستعمال الأعمال الشرعية ، واتركوا الأخلاق الذميمة النفسانية بالتخلق بالأخلاق الملكية الروحانية ، { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ } [ الأنعام : 120 ] ظاهره وباطنه بالأفعال والأخلاق ، { سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ } [ الأنعام : 120 ] عاجلاً وآجلاً . أمَّا عاجلاً : فلكل فعل وقول طبيعي ظلمة تصدأ مرآة القلب فيخرف مزاج الأخلاق القلبية الروحانية ، ويتقوى مزاج الأخلاق النفسانية الظلمانية ، وبه يقلب الهوى ويميل إلى الدنيا وشهواتها ، فبإظهار كل خلق منها على وفق الهوى يزيد ريناً وقسوة في القلب فيحتجب به عن الله تعالى ، كما قال الله عز وجل : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ المطففين : 14 ] . وأمَّا آجلاً : بهذه الموانع والحجب ينقطع العبد عن الله تعالى ويبقى محجوباً معذباً في النار خالداً مخلداً ، كما قال الله عز وجل : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [ المطففين : 15 ]