Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 121-124)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [ الأنعام : 121 ] ؛ أي : ولا تأكلوا طعاماً إلا بأمر الله وعلى ذكر الله وفي طلب الله ؛ ليندفع بنور الذكر ظلمة الطعام وشهوته ، { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [ الأنعام : 121 ] ؛ يعني : ظلمة الطعام وشهوته ؛ مؤدية إلى الفسق الذي هو الخروج من النور الروحاني إلى الظلمة النفسانية ، وفي قوله تعالى : { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ } [ الأنعام : 121 ] ؛ إشارة إلى : إن للشياطين مجالاً في الوسوسة ، إذ كانت النفوس أوليائهم في المجادلة مع القلوب ؛ ليدعوها إلى متابعة الهوى وترك طلب المولى ، [ وتشوف ] النفس [ وهم ] أولياء الشياطين في هذا المعنى ، ولا يكون للشيطان مجال في وسوسة القلوب ثم قال تعالى : { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } [ الأنعام : 121 ] ؛ يعني : في ترك طلب المولى ومتابعة الهوى { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 121 ] ؛ لأنكم تعبدون الهوى مع المولى ، كما قال تعالى : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [ الفرقان : 43 ] . ثم أخبر عن طالب المولى متابعي الهوى بقوله تعالى : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ } [ الأنعام : 122 ] ، إلى قوله : { بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } [ الأنعام : 124 ] . والإشارة فيها : إن الله تعالى هو الحي القيوم الذي ما كان ميتاً ولا يموت أبداً وما سواه فهو ميت ؛ لأنه كان ميتاً في الدعم وسيموت ، فقوله : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً } ؛ أي : من الحياة الحقيقية فأحييناه بالحياة الحقيقية ، وهي معنى قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [ الأنعام : 122 ] ، أي : نور الوجود الحقيقي الذي صار به قيامه في جميع أحواله ، كما قال تعالى : " فبي يبصر وبي يسمع " . { كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا } [ الأنعام : 122 ] ؛ يعني : كالذي هو باقٍ في ظلمات الوجود المجازي كالموتى في قبور القالب لا يمكنه الخروج منها ، وأيضاً : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [ الأنعام : 122 ] : أي : بنورنا ، { كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ } ؛ يعني : محبوس في ظلمات وجوده ليس بخارج منها { كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الأنعام : 122 ] من أنواع الضلالات يميت قلوبهم ويحيهم في ظلمات وجودهم المجازي { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا } [ الأنعام : 123 ] ؛ يعني : كما جعلنا في قلب من أحييناه بنا نوراً كذلك جعلنا في كل قرية كل قالب أكابر من النفوس والهوى والشيطان مجرميها ؛ أي : مفسدي حسن استعداداتها لقبول السعادة { لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } [ الأنعام : 123 ] بمخالفات الشرع وموافقات الطبع ، { وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ } [ الأنعام : 123 ] ؛ لأن فساد استعدادهم عائداً إلى أنفسهم بحصول الشقاوة وفوات السعادة ، { وَمَا يَشْعُرُونَ } [ الأنعام : 123 ] ولا شعور لهم على ما يفعلون بأنفسهم وإن مرجعهم إلى النار . { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ } [ الأنعام : 124 ] ؛ أي : النفس والهوى والشياطين من دأبهم ألا يؤمنوا برؤية الآيات ؛ إذ جبلوا على الإباء والتمرد والإنكار ، ولسان حالهم يقول : { لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ } [ الأنعام : 124 ] ؛ أي : القلب والسر والروح ؛ فإنهم مهبط أسرار الحق وإلهاماته ، { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] يخص بها القلب والروح والسر ونفساً تطمئن بذكر الله فيستحق رسالة { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] ، { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ } [ الأنعام : 124 ] ؛ يعني : أصحاب النفس الأمارة بالسوء لهم ذلة البعد من عند الله ، { وَعَذَابٌ شَدِيدٌ } [ الأنعام : 124 ] فهو عذاب الفرقة والانقطاع ، { بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } [ الأنعام : 124 ] ؛ أي : بما افسدوا استعداد الوصلة وهو جزاء مكرهم وكيدهم .